إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



خطاب الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

          وإنما كل الذي نطمع في تحقيقيه، ولسوف يكون رضانا كاملا إذا استطعنا مع غيرنا أن نسهم فيه، هو خلق جو أفضل لا تشوبه الحدة أو التوتر وتكون تلك هي الخطوة الأولى تمهيدا لعملية البحث عن حلول لما يعترضنا الآن من مشاكل.

          تكون تلك هي الخطوة الأولى لخلق ظروف تكون الغلبة فيها للعقل لا لمؤثرات العواطف ولمقتضيات المستقبل لا لعقد الماضي ورواسبه.

          وأنكم لتعلمون أيها السادة أن الجمهورية العربية المتحدة تؤمن بسياسة عدم الانحياز وتتخذها أمامها ميزاناً لا يحيد ولا يهتز وما أظنني في حاجه إلى أن أعيد على مسامعكم قصة التضحيات التي بذلتها أمتنا العربية لتحافظ على عدم الإنحياز، إيماناً منها بأن ذلك أدعى إلى ضمان استقلالنا من ناحية وادعى إلى صيانة السلام الحقيقي من ناحية أخرى.

ولقد رفضنا رغم كل المؤثرات أن نكون من أدوات الحرب الباردة، وكذلك جاهدنا ما وسعنا الجهد وواتتنا الظروف لشرح هذه السياسة إدراكا منا أن السلام لا يتوافر بانقسام العالم إلى أجزاء متخاصمة أو كتل متباعدة لا صلة بينها غير الخنادق والأسلاك الشائكة تربض وراءها معدات العدوان وأسلحة القتل والتدمير. وإنما يتوافر السلام بأن تتسع جبهة اللقاء بين الشعوب وأن يجري بينها الاتصال المنتج والتفاعل الخلاق على أوسع نطاق ممكن.

          ولقد كان مؤتمر باندونج الذي اجتمعت إليه الشعوب الأفريقية الآسيوية ذروة من ذرا كفاحنا الوطني في الدعوة الإيجابية إلى مبادئنا. كذلك فان هذه القاعة بالذات، قاعة الجمعية العامة قد شهدت ذروة استعدادنا للدفاع عن هذه المبادئ، وذلك حينما وقفت الأمة العربية ترد العدوان المسلح على مصر في شهري أكتوبر ونوفمبر سنة 1956. ولقد كان مما شرف كفاحنا ورفع من قدره أن المجتمع الدولي المتحضر ممثلا في هذه الجمعية العامة للأمم المتحدة قد انتصر لدفاعنا عن مبادئنا ووقف ضد محاولة العدوان عليها. ذلك هو إيماننا بعدم الإنحياز طريقاً إلى السلام إيمانناً به دعوة صادقة خالصة، وإيماننا به نضالاً إيجابيا، من هذا الإيمان بالحق وبالسلام المستند عليه تجئ الجمهورية العربية المتحدة إلى هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة وتشارك في أعمالها بكل طاقاتها وإمكانياتها.

          وأني لأقول أمامكم هنا باسم الجمهورية العربية المتحدة وتعبيرا عن فكرها وضميرها أننا نؤمن أن مشكلة السلام والحرب ملك جميع الشعوب باعتبارها قدر شعوب الأرض جميعا ومصيرها.

          إن الدول الكبرى لا تملك وحدها كلمة السلام أو الحرب وإنما الجنس البشري كله مستمدا الحق من تضحيات شعوبه على اختلافها من أجل صنع الحضارة ودفع التطور، ومن تطلع شعوبه كلها إلى الأمن، هو الذي يملك الكلمة العليا هكذا فإننا فيما يتعلق بالسلام ننحاز إلى جانب السلام وضد الحرب وإذا كان لنا من

<9>