إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        ويظهر أن الناس في هذه البلاد كثيرا ما يحسبون فيما يقولونه ويكتبونه أن مصر جزء من الإمبراطورية البريطانية. وهذا لا يطابق الواقع ولم يطابق قط فيما مضى أن "المركز الخصوصي" الذي تشغله بريطانيا العظمى في مصر يبتدئ تاريخه من يوم توسطها لإعادة النظام مدة الثورة العرابية سنة 1882 بعد ما طلبت من الدول أن تشترك معها في ذلك فأبت. فألقى ذلك على عاتق بريطانيا العظمى مسئولية لا يسعها رفضها ولا تستطيع القيام بأعبائها إلا باحتلال تلك البلاد إلى أن يستتب النظام في البلاد ويثبت إمكان المحافظة عليه وصيانة أرواح الأجانب المقيمين فيها وأموالهم. وكانت الحكومة البريطانية تنوي في ذلك الحين الجلاء عن البلاد حالما تدرك تلك الغاية كما صرحت به جهارا فأرسلت السير هنري در مندولف سنة 1887 إلى الآستانة يمهد لها سبيل الجلاء فوضع اتفاقا مع السلطان وافقت بريطانيا العظمى بمقتضاه على إخراج جنودها من القطر المصري بعد ثلاث سنوات على شرط ألا يجدَ حينئذ خطر خارجي أو داخلي يقتضي إبقاءهم فيه، وأيضا على شرط أنه يحق لها أن تعود فتحتل البلاد إذا حدث خطر كهذا، ولكن السلطان رفض توقيع هذا الاتفاق في آخر لحظة بسبب التشديد الأجنبي عليه فأخفقت المفاوضات بسبب ذلك.

        ومع أن بريطانيا العظمى بقيت في مصر فهي لم تفعل شيئا في السبع والعشرين سنة التي تلت ذلك بجعل مركزها في مصر شرعيا أو يمس النظرية التي من شأنها اعتبار مصر أمة مستقلة استقلالا داخليا تحت سيادة سلطان تركيا، وكانت مصر نظريا تحت حكم الخديوي ومجلس النظار المصريين ومجلس شورى القوانين المصري والجمعية المصرية ولم يكن المعتمد البريطاني اسما غير "وكيل سياسي وقنصل جنرال" يعرب عن آراء حكومته ورغائبها لحكومة مصر كغيره من معتمدي الدول الأخرى. ثم لوجود جيش الاحتلال ولكثرة ما ألقي على عاتقه تدريجيا من الواجبات والمسئوليات بحكم الأحوال أضحى الحكم الحقيقي في البلاد، ومع ذلك كان يعنى أشد العناية باحترام تلك النظرية، وكان المصريون يعدون احترامه لها عربونا يضمن لهم أن الدولة المحتلة لا تقصد أن تغض من حالة الحكم الوطني في بلادهم.

        وكانت الدول الأجنبية تعده كذلك أيضا، فلما عقد الاتفاق بين إنكلترا وفرنسا سنة 1904 وقع تصريح في لندن هذا نصه:

        " تصرح حكومة جلالة الملك البريطانية أنها لا تنوي تغيير حالة مصر السياسية، وتصرح حكومة الجمهورية الفرنسية أنها لا تعرقل عمل بريطانيا العظمى في تلك البلاد إما بطلبها منها تعيين أجل للاحتلال البريطاني أو بغير ذلك".

        فهذا الاتفاق كان يفي بقضاء جميع الأغراض لو دام السلم في أوروبا، ولكن وقوع الحرب ودخول تركيا فيها إلى جانب العدو أفضيا إلى مسائل صعبة معقدة لأن المصريين كانوا حكما رعية سلطان تركيا ويدينون له لا للتاج البريطاني فهذه حالة لا يمكن احتمالها كما لا يخفى، ولكن مجرد
<8>