إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

منهم في حوادث مارس سنة 1919 يدلان على أن تظلمهم من الخدمة لم يكن شيئا يذكر. وكانت التدابير تسير طبق المرام ما دام الذين ينتظمون في فيلق العمال يجندون من المتطوعين. نعم إن البعض تظلموا من إطالة مدة خدمتهم إلى ما بعد التاريخ الذي تعاقدوا عليه وذلك بعد ما تولت سلطة عسكرية أمر التجنيد، ولكن ظلمهم لم يبدأ إلا بعد ما ثبت أن نظام التطوع لا يفي بتقديم العدد الكافي من المجندين. فاضطر الأمر إذ ذاك إلى الضغط الإداري للحصول عليهم. ولما كان المصريون قد أعلنوا في أول الحرب مع تركيا بأنهم لا يطلبون للاشتراك فيها بقي التطوع اسما لا فعلا، وعهد إلى عمد البلاد الذين هم موظفون إداريون في الأقاليم بلا راتب في التجنيد بلا مراقبة من الموظفين الإنجليز الذين أخذ أكثرهم للعمل في جهات أخرى فلجأ العمد إلى إكراه الناس وإرغامهم على التجنيد ولا ريب في أن بعض العمد الخربي الذمة اغتنموا تلك الفرصة لسوق أعدائهم إلى الخدمة وتركوا أصدقاءهم وشأنهم وأخذوا الرشوة لإعفاء من يدفعها لهم من الخدمة وقبلوا البدل، وفى بعض الأحوال اتخذت تدابير تشبه تدابير عصبة الصحف وكان الذين يتخذونها يحتجون بأن البريطانيين يضطرونهم إلى اتخاذها وقد اختلف الناس في مقدار هذه المظالم والمساوئ ولكنها على كل حال كانت من الكثرة بحيث ساءت الناس جدا في بعض الجهات ويسرت للمحرض السياسي انتهاز الفرص لقضاء مآربه.

        وأما العامل الثاني أي مصادرة الحيوانات الأهلية فيقال فيه إن الفلاح تضايق كثيرا من أخذ دوابه التي هي واسطة النقل عنده، ولكن يظهر أن أثمانها كانت تدفع إليه عند أخذها منه وكانت أثمانا حسنة. غير أن الأثمان التي كانت تطلب منه بعد الحرب لشراء الدواب التي باعها كانت أعلى من الأثمان الأولى بكثير، فالفلاحون يكرهون أخذ دوابهم منهم طبعا ولكن يظهر أن ذلك لم يكن سببا كبيرا لتظلمهم علما بأنه لابد منه في زمن الحرب. ومهما يكن من ذلك فمصادرة الحيوانات ليست مما يزيد رضاءهم عن الذين كانوا السبب فيها.

        وأما العامل الثالث وهو مصادرة الحبوب فقد كان سببا أعظم مما تقدم في السخط والاستياء لأن أسعارها ارتفعت بسبب طلب الجيش لها، وكانت أسعارها في الأسواق أعلى بكثير من الأسعار التي تدفع بها حين المصادرة، وقد فرض على كل مركز تقديم مقدار معين من الحبوب نيط جمعه بالموظفين المحليين فربحوا بذلك أرباحا كبيرة. فإن العمد جمعوا مقادير أعظم مما طلب منهم جمعه وباعوا الباقي بأسعار السوق العالمية. والأهالي الذين لم يكن عندهم حبوب اضطروا أن يشتروا المطلوب منهم بأسعار السوق العالية ويقدموه بأسعار المصادرة الواطئة. وكانت طريقة مراجعة الحسابات والدفع بطيئة وثبت بالبينة أن الموظفين في المديريات أبقوا أموال الدفع في أيديهم مددا طويلة وأن كثيرين من العمد والمشايخ الذين عهد إليهم في توزيع الأموال اختلسوا قسما منها، فإن الموظفون المحليون هم المسئولون في الأكثر عن هذه المنكرات ولكنها نسبت إلى الإنكليز ولم يكن الإنكليز قادرين على مراقبتها بسبب الأحوال غير العادية حينئذ.
<15>