إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

من المصريين فإن الشعب المصرى تحمل التكاليف والقيود التى اقتضتها تلك الحرب بالصبر والرضى، والخدم التى قام بها فيلق العمال المصرى كانت خدما لا تثمّن ولا غنى عنها للحملة على فلسطين، وأن حكومة السلطان أيدت رجال السلطة البريطانية بأعظم تعاون حبى. والدلائل على ذلك كثيرة منها تنازلها عن ثلاثة ملايين جنيه إنجليزية من حساب الأمانات والعهد التى كانت قد سلفتها وكان يحق لها المطالبة بها.

        إلى هنا بحثنا فقط فى أسباب الاضطراب فى القاهرة وغيرها من البنادر الكبرى فى المدة السابقة للاضطرابات التى حدثت فى مارس سنة 1919.

        بقى علينا أن نبحث فى الأسباب التى أثرت فى الفلاحين فجعلتهم يتأثرون بتحريض أنصار الدعوة الوطنية وأقوالهم.

        ظهرت آثار القلق على الفئات المتعلمة فى مصر قبل أزمة سنة 1919 بزمان طويل كما أبنَا فيما تقدم، ولكن انتشارها حتى وصلت إلى الفلاحين وحملتهم على ارتكاب الفظائع وهم الطبقة التى جنت منافع عظيمة من الاحتلال البريطانى أمر يحتاج إلى الإيضاح.

        فأولا نقول إن الاضطراب بين الفلاحين أضيق نطاقا مما كان يظن، والاضطرابات انحصرت فى جوار البنادر الكبرى والبلاد المحاذية لخطوط المواصلات، وأما القرى البعيدة التى لا يصل إليها المحرضون وأهل الدعوة بسهولة فلم يبد فيها صغار الفلاحين ميلا كثيرا إلى الاشتراك فى حركة كهذه، ثم إن الأماكن التى وقعت الاضطرابات فيها وقع التعدى فيها على سكك الحديد بوجه الإجمال. وهناك ما يحمل على الاعتقاد بأن مهاجمة سكك الحديد كانت اتباعا لخطة قديمة سابقة كان يقصد بها التمهيد لهجوم ألمانى عثمانى على القنال، ويؤيد هذا الهجوم ثورة تحدث فى مصر، وهذا يعلل بعض الدلائل التى تدل على اشتراك واتحاد فى العمل باضطرابات مارس سنة 1919.

        وهناك ما يدل أيضا على أن التحكم فى أسعار القطن زاد استياء الناس، لأن هذا التحكم يحرم الزارع مزية المزاحمة فى الأسواق الأجنبية مع كون إيجار أطيانه على ازدياد. ولكن هناك عوامل جرتها الحرب وكانت أدعى إلى زيادة جفائه ونفوره وهى: (1) التجنيد لفيلق العمال والهجانة المصرى، (2) مصادرة الحيوانات الأهلية، (3) مصادرة الحبوب، (4) جمع الأموال للصليب الأحمر. فكان استهجان الناس لطريقة تنفيذ هذه العوامل أكثر من العوامل نفسها.

        أما العامل الأول فقد دلت الدلائل على أن الأنفار كانوا بعد تجنيدهم يرضون بشروط التجنيد، وأن الرواتب التى كانوا يأخذونها نفعت الفقراء نفعا عظيما، ولكن يظهر أن المستشفيات التى كانوا يمرضون فيها لم تكن على ما يرام، وأنه كان بين ضباطهم كثيرون يجهلون لغتهم ولا خبرة لهم بمعاملتهم. على أن قبولهم للانتظام فى سلك فيلقهم المرة بعد المرة وعدم اشتراك الذين كانوا فى الخدمة
<14>