إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود




الملك فيصل والرئيس نيكسون
الملك فيصل بن عبدالعزيز





الفيصل في ظل أبيه

الفيصل في ظل أبيه

أولاً: تدريبه على الحرب

الغزوة الأولى: ياطب

أراد سلطان نجد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، أن يدرب ولده فيصل على الحروب، فاصطحبه معه في غزوة ياطب، إلى الشرق الجنوبي من حائل، عام 1336هـ/1917م. وكان فيصل يومئذ طفلاً، سنه اثنا عشر ربيعاً!.

كانت غزوة ياطب أول غزو قام به سلطان نجد، عبدالعزيز آل سعود ضد خصمه ابن رشيد، أمير حائل في عقر داره. ولم تكن في حقيقتها معركة كبيرة، ولكنها أرهبت ابن رشيد، وأوقعت به خسائر في ماشيته.

الغزوة الثانية: حائل

في عام 1338هـ/1919م، قام الأمير فيصل مع أخيه الأمير سعود، بغزو الشعيبة بالقرب من حائل، ثم رجعا إلى القصيم فالرياض. ولما أصدر الملك عبدالعزيز أمره للأمير سعود بالعودة إلى حائل لضرب نطاق الحصار عليها، كان فيصل معه، وشاهد استسلام عبدالله بن متعب آل رشيد. لم يكن دور الأمير فيصل في غزوات ياطب والشعيبة وحائل دوراً قيادياً مستقلاً، وإنما كان دور تدريب على خوض المعارك.

الغزوة الثالثة: عسير

نشبت فتنة في عسير، وكانت تابعة للملك عبدالعزيز، في عام 1340هـ/ يوليه 1922م. وذلك أن عبداً من عبيد فهد العقيلي، أمير عسير من قبل ابن سعود، اشترى من السوق حطباً، فلم يجد من يحمله، فطلب من أحد المارة حمله، فرفض فضربه، فقابله بالمثل، وتجمهر الناس، وتأزم الموقف. وانتقلت الأخبار بعد الزيادة فيها إلى القبائل، فزحفت إلى أبها، وأحاطت بقصر الأمير النجدي.

وكان أسرع القوم إلى استغلال الفتنة، الأمير حسن بن عائض، حاكم عسير السابق، الذي كان قد أعلن خضوعه لعبدالعزيز، واعتزل في الحرملة. فسارع إلى نقض العهد، وجاء إلى أبها، وقاد حركة العصيان، وأجلى الحامية النجدية عن المدينة، وأخرج الأمير النجدي منها، ثم قبض عليه.

وصل إلى سلطان نجد، عبدالعزيز، خبر هذه الفتنة، التي تهدد بمضاعفات خطيرة، إذ يخشى أن تكون منطلقاً لمؤامرات يحيكها خصوم نجد، المتربصون بها الدوائر في الحجاز واليمن.

وأصدر السلطان عبدالعزيز إرادته بتسمية فيصل قائداً مستقلاً، للقضاء على الفتنة، وإقرار السلام. وعقد له راية القيادة، على رأس جيش من ستة آلاف مقاتل من نجد، انضم إليهم فيما بعد أربعة آلاف من عرب قحطان وزهران. وكان ذلك تقديراً من الملك عبدالعزيز لمواهب ابنه، الذي بدأ يدرج في مدارج الشباب، في السادسة عشرة من عمره.

انطلق فيصل بهذا الجيش الكبير من الرياض في شهر ذي القعدة 1340هـ/ يوليه 1922م، فلما وصل إلى حدود بيشة، أو قريباً منها، طلب ابن عائض من رجال القبائل أن يتقدموا إلى بلاد شهران، ليشكلوا خط دفاع أول في طريق الجيش الزاحف.

وتابع فيصل زحفه من بيشة باتجاه أبها، فلقي في طريقه، في موضع يدعى العين، مقاتلة من بني شهر، فحمل عليهم، وقتل جيشه كثيراً منهم، وفرّ الناجون، ليقصّوا على من ورائهم أخبار ما نزل بهم.

ودنا فيصل من خميس مشيط، وكانت فيها حامية لابن عائض، فلما وصلتها أنباء معركة العين هربت الحامية إلى أبها. وأما الأمير ابن عائض، وكان في أبها، فهرب إلى حصنه القديم في الحرملة.

وتقدم الأمير فيصل إلى أبها، فدخلها بغير قتال في صفر 1341هـ/أكتوبر 1922م. سأل الكاتب أمين الريحاني الأمير فيصل، فيما بعد، عن أميرها، هل وجده فيها، أجابه: ما وجدنا فيها غير الحريم والكلاب. ولم يمض على مقامه في أبها غير القليل، حتى أعلن العفو، ووقف القتال، فجاءت القبائل تعرض عليه الطاعة وتجدد الولاء.

رأى الأمير فيصل، تجنباً لإراقة الدماء أن يدعو ابن عائض إلى السلم، والدخول في الطاعة، ووعده العفو. ولكن ابن عائض لم يستجب لدعوة السلام، لأنه كان ينتظر عوناً يأتيه من ناحية الحجاز. فأرسل الأمير فيصل سرية لمهاجمته في حصن حرملة. وكان ابن عائض يظن نفسه ممتنعاً بحصنه، لا يوصل إليه. فلما أدرك حرج موقفه، هرب من الحصن إلى تهامة، مخلفاً فيه عدداً من المقاتلة. ولكن جنود فيصل، استطاعوا تدمير الحصن، وقضوا على كل من فيه.

مكيدة لطيفة

لم يشأ الأمير فيصل، وقد تم له النصر، أن ينهي المهمة بهذه الصورة، وإنما رأى بنظره النافذ، أن أفضل أسلوب لاستقرار السلام في المنطقة، والحيلولة دون تجدد الفتن هو: نزع السلاح من أيدي الأهلين، لأنه يغريهم بالانتفاض على السلطة مرة بعد مرة لأتفه الأسباب. ولذلك أصدر أوامره إلى رجال القبائل بدعوة الأهالي إلى الحضور إليه بأسلحتهم.

ويقال أن جمع السلاح إنما تم بخطة محكمة، أو مكيدة سياسية لطيفة، وتعد من نوع سد الذرائع. وذلك أن رجال القبائل نودوا للجهاد، وحضور الرجل الطيب، والبندقية الطيبة، فلم يتخلف أحد ممن كان يحمل السلاح، وأقبلت كل قبيلة في أهازيجها الشعبية المعبرة عن الولاء، وعلى رأسها شيخها. وعندما تكاملت القبائل، دعيت لتناول الغداء في قصر شدا، فكانوا يدخلون أفواجاً من الباب الأول، وهم يحملون السلاح، ولكنهم يخرجون من الباب الثاني بلا شيء. وبهذه السياسة اللطيفة نزع السلاح من أهل عسير من دون إجلاب خيل ولا رجال.

حملة الشريف حسين على أبها

بلغ الأمير فيصل أن ملك الحجاز الشريف حسين بن علي، أرسل فرقة من جنده لمساندة ابن عائض الموجود في تهامة. فأمر الفيصل سرية من جيشه بالسير إليها لقتالها. ولكن حر تهامة الشديد، والحمى اضطرا النجديين إلى التراجع إلى الأماكن المرتفعة، فتبعهم جيش الحسين، وكان له قائدان، فاختلفا في الطريق التي يجب سلوكها، واختير في النهاية الطريق الأسوأ. وكان ذلك من حسن حظ جند الأخوان النجديين، فقد هجموا على هؤلاء الجنود، وكادوا يبيدونهم عن آخرهم بالسيف والرصاص، ولم ينج إلا القائدان، وقليل من البدو، لاذوا بالفرار. وقد استولى الأخوان على جميع ما معهم من مدافع ورشاشات وأسلحة وذخائر ومؤن، فأخذوها ورجعوا بها إلى أبها.

بعد الانتصار على ابن عائض، وهزيمة الحملة الحجازية، أنشأ فيصل في أبها جهازاً للإدارة، جعل على رأسه عاملاً ـ أي أميراً ـ من نجد هو: سعد بن عفيصان، وأبقى لديه حامية من الجنود، ثم عاد إلى الرياض، بعد أن وطد الأمن، وأقام النظام. وكان وصول فيصل إلى الرياض في 21 جمادى الآخرة عام 1341هـ/ 8 يناير 1923م، وخرج أهل الرياض، وعلى رأسهم والده وجده الإمام عبدالرحمن الفيصل لاستقباله.

الغزوة الخامسة: الاشتراك في حصار جدة

لما دخل سلطان نجد عبدالعزيز آل سعود مكة المكرمة في جمادى الآخرة عام 1343هـ/ يناير 1925م، ضرب الحصار على جدة. ولما طال الحصار ما يقرب من العام، طلب السلطان عبدالعزيز المدد من أهل نجد. وأصدر أمره إلى ابنه فيصل أن يقدم إلى الحجاز بقوات من الحضر. فانطلق الأمير فيصل من الرياض، في شهر ربيع الآخر عام 1344هـ/ أكتوبر 1925م، ووصل بألويته إلى مكة المكرمة في 8 جمادى الأولى عام 1344هـ/23 نوفمبر 1925م، للاشتراك في حصار جدة. وبعد أن خيمت قواته مدة أسبوع في أماكن متعددة حول مكة، انتقل بألويته في 15 جمادى الأولى/30 نوفمبر، إلى الرغامة، قرب جدة، حيث كان عمه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن معسكراً فيها. ثم تلقى أمر والده الملك عبدالعزيز بالتقدم. وبعد ذلك بأيام استسلم الملك علي بن الحسين، ودخلت القوات السعودية جدة. ولم يشترك الأمير فيصل في قتال.

الغزوة السادسة: فتنة الإدريسي وفتح الحديدة

لما حدث تمرد الأدارسة على الحكم السعودي في رجب عام 1351هـ/ نوفمبر 1932م، وزحفت قوات إمام اليمن إلى عسير، أرسل الملك عبدالعزيز الجيوش إلى تهامة عسير في أواخر عام 1351هـ. وجعل ابنه الأمير سعود على رأس أحد هذه الجيوش، وابنه الأمير فيصل على رأس جيش آخر. وتقدمت قوات الأمير سعود ودخلت نجران واحتلتها.

وانطلق الفيصل بقواته من مكة في محرم 1353هـ/ أبريل 1934م، ووصل إلى جيزان فدخلها، ثم زحف إلى عمق الأراضي اليمنية، حتى وصل إلى مشارف بلدة (مَيْدي) الحصينة، وهي أول مدينة يمنية على الحدود، واحتلها. ثم تقدم إلى الحديدة، الميناء اليمني المعروف، واحتلها يوم 21 محرم 1353هـ/5 مايو 1934م، ثم استولى على بيت الفقيه. وشرع يواصل الزحف إلى صنعاء ليحاصرها، ثم يفاوض على  حصارها. وبالفعل جاءته وفود من صنعاء تفاوض، لكن برقية عاجلة جاءت من الملك عبدالعزيز، يأمره فيها بالعودة. وكأن الأمير ـ بفعل حماس الشباب ـ قد تردد في تنفيذ أمر والده، فأعاد الملك عبدالعزيز التأكيد عليه بالانسحاب، وعنفه لعدم امتثاله الفوري لأمره، فانسحب فيصل. وكان ذلك درساً عملياً من الملك عبدالعزيز، أنه لا مطمع للمملكة في أراضي الغير.

وبعد توقيع اتفاقية الطائف بين المملكة العربية السعودية واليمن في 6 صفر عام 1353هـ/ 20 مايو 1934م، انسحبت القوات السعودية من المواقع اليمنية، وتسلم الأمير فيصل زعماء الأدارسة المتمردين باللطف والمودة.

ثانياً: المهام والوظائف والزيارات السياسية

كان فيصل في طفولته، يحضر مجالس أبيه، ويستمع إلى أقواله وحكمه، ويصغي إلى أحاديث كبار القوم الذين يفدون إليه، ويروون له الأخبار، ويقدمون بين يديه الآراء والمقترحات. ومن هذه النافذة، وإن تكن ضيقة، كان فيصل الطفل يطل على عالم السياسة.

كانت الصحف تصل متأخرة إلى عاصمة نجد، وقد لا تصل، ولم تكن هناك أجهزة الراديو يتصل الإنسان من خلالها بالدنيا وأنبائها، وسياسة شعوبها. ولم يكن عدد الوافدين إلى نجد من الخارج كثيراً.

كان الملك عبدالعزيز يرى في ابنه فيصل ذكاء وقاداً، واستعداداً فطرياً للسياسة. وكان يحب أن يتخذه عوناً له، ويعده أفضل إعداد لتسلم مقاليد الحكم في البلاد. فقرر إرساله إلى الغرب، ليطلع على أحوال الأوروبيين ومدنيتهم، وليعرف عن كثب هؤلاء الرجال الذين يديرون من هناك، سياسة الأقطار العربية!.

وجاءت الفرصة الملائمة لتحقيق هذه الرغبة، حين أعلن انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918م، وعودة السلام إلى أوروبا، فأرسل الملك ابنه على رأس بعثة إلى بلاد الإنجليز عام 1919م. ومن ذلك الوقت والملك عبدالعزيز يتيح الفرصة تلو الأخرى للفيصل لصقل مواهبه في العمل السياسي، ويكلفه بالمهام الخطيرة الداخلية والخارجية.

فقد اشترك في إطفاء فتنة المحمل المصري التي نشبت في حج 1344هـ/ يونيه 1926م، عندما أطلق حرس المحمل النار على الإخوان النجديين في منى، وكانوا قد اعترضوا على الموسيقى المصاحبة للمحمل، بما يتنافى مع قدسية المكان والزمان.

وكلفه والده بإدارة أول حكومة نجدية في الحجاز عام 1344هـ/1925م، وعينه نائباً له في الحجاز في صفر 1345هـ/أغسطس 1926م، بلقب (النائب العام للملك)، وكان يومئذ في العشرين من عمره.

          وسافر إلى أوروبا للمرة الثانية، في مهمة سياسية، في ربيع الأول  1345هـ/ سبتمبر 1926م. وفي 18 ذي القعدة 1345هـ/20 مايو 1927م، وقع نيابة عن والده اتفاقية جدة مع بريطانيا، وهي المعاهدة التي اعترفت فيها بريطانيا بمملكة الحجاز ونجد، وألغت معاهدة العقير المعقودة عام 1915م.

وتولى وزارة الخارجية بعد تأسيسها في رجب 1349هـ/ ديسمبر 1930م.

وبموجب نظام مجلس الوكلاء، الذي أصدره الملك عبدالعزيز، صار الفيصل رئيساً لذلك المجلس في رمضان 1350هـ/ يناير 1932م، وأُلحق به رئاسة مجلس الشورى، ووزارة الداخلية، ورئاسة القضاء وأمراء المقاطعات. وكان الفيصل في السادسة والعشرين من عمره.

ثم كانت رحلته الثالثة إلى أوروبا بتكليف من والده الملك عبدالعزيز في عام 1351هـ/1932م، وزار خلالها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا وسويسرا وبولونيا وروسيا وتركيا وإيران والعراق والكويت. ووقع بأمر والده الملك، مرسوم إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الأولى عام 1351هـ/23 سبتمبر 1932م.

وفي 23 ذي القعدة 1357هـ/ 13 يناير 1939م، سافر إلى القاهرة، ومنها إلى لندن، وحضر هناك مؤتمر المائدة المستديرة، في 7 فبراير 1939م، وهو المؤتمر الذي دعت إليه بريطانيا للنظر في القضية الفلسطينية. وكان الأمير وزيراً للخارجية، وممثلاً للمملكة. وبعد انتهاء المؤتمر زار باريس.

وفي سبتمبر عام 1943م، في خلال الحرب العالمية الثانية، قام مع أخيه الأمير خالد بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، للمرة الأولى، بدعوة من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت. ثم عرج في طريق عودته على لندن، واجتمع مع أركان الحكومة البريطانية، وقابل الملك جورج السادس.

وأراد الجنرال ديجول زعيم فرنسا الحرة، وكان مقره في الجزائر، أن يشارك في تكريم الأمير فيصل؛ فدعاه رسمياً باسم فرنسا، فوافاه في الجزائر، وجال في الشمال الإفريقي فزار تونس. وفي طريق عودته عرج على القاهرة.

وفي 6 أبريل 1945م إلى نيويورك، ووقع في 12 أبريل باسم المملكة العربية السعودية البيان المشترك، الذي أعدته الدول الكبرى لإنشاء هيئة الأمم المتحدة. وكانت تلك رحلته الثانية إلى أمريكا.

وفي 16 أبريل 1946م، زار دمشق، ومعه أخوه منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع، للمشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لجلاء الفرنسيين عن سورية، ثم زار لبنان، واستقبله الرئيس بشارة الخوري.

وفي شهر يونيه عام 1946م، توجه إلى الولايات المتحدة، للمرة الثالثة، لمناقشة مشروع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، الذي وقع في 26 يونيه. حضر دورة الأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر 1947م، لبحث قضية فلسطين، وعارض الفيصل اتخاذ قرار التقسيم الذي صدر في 29 نوفمبر 1947م.

واظب على حضور دورات الأمم المتحدة، كلما سنحت له الظروف ليساهم في الدفاع عن القضايا العربية. ومثل المملكة في مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربيـة، في القاهرة، الذين اجتمعوا في (8 ديسمبر 1947م)، لمناقشة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تقسيم فلسطين.

زار العاصمة البريطانية في أغسطس 1951م، لمناقشة الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، ومشكلة واحة البريمي مع وزير خارجية بريطانيا موريسون. وانتهت المباحثات في 25 أغسطس. كذلك مثَّل المملكة العربية السعودية في مؤتمر المائدة المستديرة في الدمام في شهر يناير 1952م، لبحث الحدود الشرقية للمملكة.

وفي مارس 1953م، زار الولايات المتحدة، وقابل الرئيس الأمريكي أيزنهاور في البيت الأبيض.

وعين الملك عبدالعزيز الأمير فيصل نائباً لرئيس مجلس الوزراء في عام 1373هـ، إضافة إلى احتفاظه بمنصب وزير الخارجية. وما كان للملك عبدالعزيز أن يبقي ابنه في هذا المنصب طوال هذه المدة، لو لم يأنس فيه القدرة والكفاءة، على حُسن تمثيل الملك عبدالعزيز، والمملكة العربية السعودية في الساحة الدولية.

التقى قبل توليه الحكم في المملكة عام 1384هـ/1964م، معظم القادة والساسة المشاهير في العالم آنذاك مثل: ونستون تشرشل، وروزفلت، وأيزنهاور، وجون كيندي، وترومان، وأنطوني إيدن، وموسوليني، وشارل ديجول وغيرهم كثير.

وكان لكل هذه اللقاءات أثر في صقل تجاربه في فنون السياسة والدبلوماسية الدولية.

رحلاته إلى خارج المملكة

الرحلة الأولى إلى الغرب

دعت إنجلترا، بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى، سلطان نجد وملحقاتها، عبدالعزيز آل سعود، إلى زيارة لندن، فقبل الدعوة من حيث المبدأ، ووعد أن يرسل أحد أولاده نيابة عنه.

وتلك قاعدة اتبعها الملك عبدالعزيز طول حياته، فهو لم يشأ قط أن يزور البلاد الأوروبية، وكان ينتدب أولاده للقيام بهذه الزيارات أو المهمات مكانه.

كان الإنجليز يعتقدون أن عبدالعزيز، سيوفد إليهم ابنه البكر سعود، ولكنه اختار ابنه الثاني فيصلاً، وكلفت الحكومة البريطانية أحد موظفيها وهو مستر همفري بومن، بمرافقة الأمير في رحلته. وسافر الأمير فيصل ومن معه من الرياض في 5 ذي القعدة 1337هـ/أول أغسطس 1919م، بطريق الأحساء فالبحرين. ووصلت الباخرة المقلة لهم إلى الهند، ثم توجهوا إلى بريطانيا. ووصلوا إليها في 14 أكتوبر 1919م. واستقبل الأمير ومرافقوه من قبل ملك بريطانيا جورج الخامس، في قاعة العرش يوم 30 أكتوبر. وقدم الفيصل إلى الملك باسم والده سيفين، وكتاباً وقعه الملك عبدالعزيز بلقبه (حاكم نجد والأحساء والقطيف وملحقاتها ورئيس عشائرها). وقدم ملك إنجلترا إلى الفيصل صورتين له موقعتين بيده.

وقد أصدر همفري بومن كتاباً بعنوان (نافذة الشرق الأوسط Middle East Window)، تحدث فيه عن ذكريات هذه الرحلة التي تمت عام 1919م، فقال:

سافر الأمير فيصل ورجاله من البحرين على الباخرة لورنس. وسافر معهم على الباخرة نفسها وفد من الكويت، كان على رأسه الشيخ أحمد آل الصباح، الذي يبلغ الثلاثين من عمره. وكان الشيخ أحمد الصباح يتساءل دائماً: كيف يقدمون عليه الأمير فيصل، وهو طفل في الثالثة عشرة؟.

ويردف بومن: لم يكن فيصل يكترث لهذه المراسم، فهو مثال اللطف والوداعة، ولا يحب الظهور، فضلاً عن أن يقاتل عليه. ولكن ابن عمه وحارسه (الأمير) أحمد بن ثنيان (آل سعود) كان مصراً على تقديمه، في كل وقت وفي كل مكان. وأخبرني أن السلطان عبدالعزيز أمره بذلك، وأنه لن يتساهل قط في المحافظة على هذا الواجب.

توقفت الباخرة لورنس في الهند، ومن هناك أقلت الوفود باخرة أخرى، اسمها كيغوما Kigoma إلى إنجلترا. وأصيب الأمير فيصل، خلال الرحلة، بالملاريا، فتولى العناية به طبيب الباخرة، حتى شفي واستعاد قوته.

وكان أحمد بن ثنيان هو الذي يفرض عليه ابتلاع حبوب الكينا التي قررها الطبيب، ويبالغ في إصراره، حتى بكى فيصل مرة منه، وشكا إليّ ذلك!.

أصبحت صديقاً للأمير الشاب لا أتركه، وكان ابن ثنيان كذلك ملازماً له، وإن كانت صحبته طاغية شيئاً ما. نشأ أحمد بن ثنيان في استانبول وذهب إلى الغرب وتعلم من الفرنسية ما يكفيه للتحدث بها، وهو يتغنى دائماً بمواهب ابن سعود ويسميه ملك نجد، مع أنه لم يكن في ذلك الوقت يحمل هذا اللقب. وقد توقَّع له بأنه سيصبح ملكاً على الشطر الأكبر من جزيرة العرب.

انتهت مهمتي بوصول فيصل إلى إنجلترا، وهناك حل مستر هاري جون فيلبي محلي في مرافقته. ولكنني اجتمعت بالأمير في مأدبة أقامها على شرفه صديق لي في البرلمان. وسأله صديقي إن كان البرلمان الإنكليزي أعجبه، فأجابه فيصل:

ـ نعم أعجبني كثيراً، ولكن مجلس اللوردات هو الأروع بين الإثنين!.

ولما سأله عن السبب، قال وهو يبتسم:

إن لمجلس اللوردات قبة حمراء ذهبية، أما قبة مجلس العموم فسوداء قاتمة، وغير جميلة إطلاقاً.

وعاد صديقي يسأله عن الأشياء التي رآها في لندن، فحدثه عن الأسطول والجيش والطيران وأماكن أخرى لها أهميتها وحساسيتها، ولكنه لم يتردد في المصارحة بأن أكثر شيء أحبه، هو الهبوط والصعود على السلم المتحرك، في ميدان بيكاديللي.

كان عمر فيصل يومئذ ثلاثة عشر عاماً، فهو طفل، ولكن أي إنكليزي في مثل سنه لم يحب ما أحب فيصل؟.

أغراض الرحلة

ينقل العجلاني عن سانت جون فيلبي، إن الملك عبدالعزيز حمّل ابنه فيصلاً في رحلته الأولى إلى لندن مهمتين:

الأولى ـ تهنئة الحكومة البريطانية بانتصارها في الحرب العالمية الأولى.

والثانية ـ أن يبحث معها، عَرَضاً، مستقبل العلاقات بين الحكومة السعودية وإنجلترا.

وقد أدى فيصل رسالته كأحسن ما تؤدى الرسالات وكان نجاحه كاملاً.

أما د.غوري، فيقول إن تهنئة الحلفاء بالنصر لم تكن إلا الحجة الظاهرة للرحلة أو التغطية. وأما الأغراض الحقيقية فكانت البحث في القضايا الآتية:

ـ موقف ابن سعود نحو الملك حسين.

ـ الحدود بين نجد والحجاز.

ـ تجديد ـ أو تأكيد ـ المعاهدة بين ابن سعود وإنجلترا.

ـ زيادة المساعدة البريطانية المالية لابن سعود.

ـ وأخيراً، إرسال ممثل سعودي إلى الحكومة البريطانية لمناقشة قضايا مختلفة، ووضع صيغة اتفاق دائم.

وعلى الرغم من تعثر المفاوضات قليلاً في أول الأمر، فقد انتهت إلى اتفاق، ولعله لم يكن اتفاقاً كاملاً، ولكن مهمة فيصل كانت، كما وصفها فيلبي، مهمة ناجحة.

في باريس

بعد انتهاء فيصل من زيارة إنجلترا، سافر إلى باريس، بدعوة من حكومتها، وبقي هناك مدة غير قصيرة. وكان جو باريس، كما ينقل العجلاني عن غوري، مشبعاً بروح مؤتمر السلام وببرنامج الرئيس الأمريكي ولسون، الذي عرف بالنقاط الأربعة عشرة، ومن أبرزها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو منهاج إنساني كريم، كان له في نفس فيصل الفتى أحسن الأثر.

زار فيصل كثيراً من الأماكن المهمة في فرنسا، وشاهد آثار الحرب فيها، ثم زار بلجيكا. وقد استغرقت رحلة الأمير ستة أشهر، وكانت له بمثابة دراسة علمية، زادت في معلوماته ونورت أفكاره، وتعرف خلالها بكبار الساسة وقادة الرأي في تلك الجهات، وأصبح له فيها عدة أصدقاء. وعاد فيصل من رحلته إلى أوروبا، وقد أفاد منها شيئاً كثيراً، وقص على أبيه ما شاهده، وما قاله، وما سمعه.

الرحلة الثانية إلى الغرب

اعترفت الدول الكبرى بالملك عبدالعزيز ملكاً على الحجاز ونجد، وأحب الملك عبدالعزيز أن يشكر لهذه الدول اعترافها بحكومته، ويقيم معها صلات ودية، ويثبت العلاقات السياسية معها. فقرر انتداب ابنه ونائبه في الحجاز الأمير فيصل، لهذه المهمة. فسافر في يوم الأربعاء غرة ربيع الأول عام 1345هـ/ 8 سبتمبر 1926م، إلى أوروبا، ورافقه الدكتور عبدالله الدملوجي مدير الشؤون الخارجية ومستشار الملك عبدالعزيز، وعبدالله إبراهيم الفضل، الذي التحق بالبعثة في السويس، وتولى سكرتارية الأمير. كما رافقه المستر جوردن المعتمد البريطاني في جدة. وقد أقلتهم الباخرة الخديوية (بولاق) من جدة إلى ينبع، ومنها إلى السويس حيث تتلاقى مع باخرة الميل (البريد) الإنجليزي في 12 سبتمبر 1926م ، لتقله إلى لندن. وأبرق إلى والده أنه وصل بورسعيد يوم 6 ربيع الأول /13 سبتمبر.

وزار بريطانيا العظمى وفرنسا وهولندا. وكان مقرراً أن يزور بلاداً أخرى إلا أن بعض المتاعب الصحية طرأت عليه في باريس، فحالت دون ذلك. وعاد إلى الحجاز في أول جمادى الأولى عام 1345هـ/7 نوفمبر 1926م.

ونوهت جريدة أم القرى بأهمية هذه الرحلة من زاوية الحج، فقالت إن حياة الحجاز متوقفة على حسن صلاته بالبلاد الأجنبية وبالدول الكبرى التي لها رعايا مسلمون، فتحسين الصلات معها يسهل الحج، ويخرج البلاد من عزلتها.

ينقل العجلاني عن (زيشكا):

كان فيصل، في كل مكان يزوره، يصغي إلى محدثيه الذين يشرحون له أسرار المخترعات أو مزاياها، مثله في ذلك مثل أبيه خلال إقامته في الكويت. وقبل أن يعود فيصل إلى جدة، أوصى على عدد من مضخات الماء، وآلات الحرف الحديثة، والسيارات. كما استطاع أن يشتري لبلاده طائرات.

زيارة لندن

سبق أن زار فيصل لندن عام 1919م، كما ذُكر سابقاً. والتقى خلال إقامته في لندن عدداً كبيراً من رجالات السياسة. وزار المؤسسات التعليمية والجامعات والمكتبات والمصانع والمدن الكبرى. وكان موضع الحفاوة والتكريم في كل مكان، وفي 29 سبتمبر أقيمت له مأدبة غداء رسمية بدعوة من اللورد بركنهد، حضرها اللورد لويد، واللورد اللنبي، والسير بيرسي كوكس، والسير ستورس، والسير هنري ماكماهون، والسير ريجنالت ونجت، أي كبار الرجالات البريطانيين الذين تولوا أمور السياسة والحرب في الشرق الأوسط، وكان لهم أثر واضح في تقرير الأوضاع السياسية في كثير من البلاد العربية.

قابل الأمير فيصل في هذه الزيارة ملك بريطانيا جورج الخامس، في قصر بكنجهام مصحوباً بالمعتمد البريطاني في جدة المستر جوردن، وتحادثا محادثة ودية بصفة غير رسمية نحو نصف ساعة، وسأله الملك عن مشاهداته في إنجلترا. وقدم له علبة مرصعة تحتوي على وسام سانت (القديس) ميشيل، وسانت جورج، من درجة كومندور. وحامل هذا الوسام يلقب عند الإنجليز بلقب (سير). وألقى الأمير فيصل خطبة باللغة العربية أعرب فيها عن شكره للملك وللحكومة، وعن سروره العظيم لهذه المقابلة.

كما دعي خلال هذه الزيارة، إلى حضور افتتاح مسجد الأحمدية، الذي أنشئ آنذاك في لندن. وكادت هذه الدعوة تسبب بعض المتاعب، فقد أشار عليه جماعة بحضورها، ورأى آخرون أن يعتذر عن الحضور. وكثر اللغط في الصحف عن هذا المسجد، وأفضى إمام الجامع بحديث إلى إحدى الجرائد في لندن، يمكن أن يفهم منه أن الجامع سيفتح للناس من جميع المذاهب. وأرسل هذا الحديث بالتلغراف إلى جريدة الأهرام في مصر، ونشرته. فجاءت برقية من الملك عبدالعزيز إلى ابنه يقول فيها: إذا كان المسجد سيكون معبداً للأديان، كما نقلت الأهرام عن المورننج بوست، فامتنعوا عن افتتاحه. وإن كان المسجد خاصاً بعموم المسلمين على اختلاف مذاهبهم، بعد التحقيق والتدقيق من أهل الدين من الهنديين والمصريين وغيرهم بطرفكم، فأقدموا على ما ترون فيه الخير"، لما كان الجامع تديره الطائفة "الأحمدية القاديانية"، الفرقة المنحرفة المعروفة في الهند، آثر الأمير عدم الاشتراك في حفلتهم، حتى لا يفسر حضوره بأنه تأييد لمذهبهم، وتقوية لهم ضد منافسيهم.

وفي مقارنة بين الزيارتين التي تفصل بينهما سبع سنوات، لاحظ المراقبون أن زيارة الفيصل الثانية للندن تختلف كثيراً عن زيارته الأولى. فهو الآن في مقتبل الشباب، ونائب الملك في الحجاز، وممثل له، بصفته ملك الحجاز ونجد.

ينقل د.منير العجلاني عن الكاتب الألماني (فون ميكوش) قوله:

كانت لزيارة الأمير فيصل الثانية للندن مظاهر تختلف عن زيارته الأولى في سنة 1919م، عندما قوبل بقليل من الاهتمام كمجرد نجل أمير من أمراء الصحراء. أما هذه المرة فقد استقبل بحفاوة بالغة، وحيته المدفعية تحية الملوك بإحدى وعشرين طلقة، باعتباره مندوباً عن والده الملك، وجرى له استقبال رسمي حافل، ووجد في كل مكان أبواباً مشرعة، وآذاناً صاغية. كما رحبت به الأوساط الاجتماعية الراقية، واستقبله الملك جورج، ومنحه وسام القديسين جورج وميخائيل. ولم تكن باريس أقل حفاوة من لندن ومثلها لاهاي.

ويرى الكاتب الألماني أن لهذه الحفاوة الكبيرة والاحترام العظيم من جانب الحكومات الغربية أسباباً علمية إلى جانب الأسباب السياسية. لأن مقصد الرحلة الحقيقي، في رأيه، هو التعرف على المخترعات الأوروبية الحديثة، وتزويد المملكة بما تحتاج منها. فتسابقت الحكومات الغربية للفوز بهذه الصفقات، ونالت بريطانيا حصة الأسد من هذه الغنيمة.

وفي رحلته الأولى للندن، لم تكن مساهمة فيصل في المحادثات السياسية كبيرة، لأنه كان في الثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة من عمره، ولم تكن له تجربة. أمّا في رحلته الثانية كان الفيصل في العشرين أو أكثر قليلاً، وقد تغيرت نظرته إلى الأشياء وإلى الأشخاص. ومع أن الفيصل لا يزال في عنفوان الشباب، فإن الصحفيين ورجال السياسة الذين اتصلوا به وتحدثوا معه، وصفوه بأنه ديبلوماسي بارع وسياسي موهوب.

في هولندا

في 12 أكتوبر 1926م، أنهى الأمير فيصل زيارته لإنجلترا، وقصد لاهاي عاصمة مملكة هولنده، وكانت على رأسها يومئذ: الملكة ويلهلمينا. وفي14 أكتوبر التقى الملكة، التي قلدته وسام أورانج ناسو. وفي16 أكتوبر أقيمت على شرفه مأدبة رسمية فخمة.

كانت هولندا تسيطر على عشرات الملايين من المسلمين، لأنها كانت تحكم بلاد جاوه ـ أي  إندونيسيا في الوقت الحاضر ـ وبهذا الاعتبار كان الاتصال بها معناه الاتصال بأولئك الملايين من المسلمين، الذين كان يأتي منهم كل عام إلى الحجاز عدد كبير من الحجاج والزائرين والمجاورين.

وفي لاهاي، قابل عدداً من المستشرقين المشاهير، الذين عرفوا بمساهمتهم القوية في نشر التراث العربي والإسلامي ودراساتهم العميقة.

في باريس

انتقل في 20 أكتوبر 1926م إلى باريس ضيفاً على الحكومة الفرنسية . وكان رئيس الجمهورية الفرنسية يومئذ مسيو دومرغ، فاستقبل في قصر الإليزيه استقبالاً حاراً، وانطلقت الصحف الفرنسية تتحدث عنه، وعن والده الملك عبدالعزيز وما حققه من إنجازات.

وقد شكر لحكومتها اعترافها بملكية والده على الحجاز ونجد وملحقاتها، وأكد رغبته في أن تقوم أحسن العلاقات بين بلاده وفرنسا، التي كانت تسيطر كذلك على عشرات الملايين من المسلمين في أفريقيا وآسيا.

أراد الأمير فيصل أن يزور معالم باريس، ومدن فرنسا الكبرى، للإطلاع على مظاهر حضارتها المختلفة، ولكن جو باريس في تلك الأيام كان سيئاً جداً فلم يكد يشرع في زياراته حتى أصيب بنزلة شعبية فاضطر إلى ملازمة غرفته ثلاثة أيام، وعجل بإنهاء رحلته، فغادر باريس إلى مرسيليا في مساء يوم 28 أكتوبر 1926م، ومن مرسيليا غادر في 24 ربيع الآخر 1345هـ/ أول نوفمبر 1926م، متوجهاً إلى جدة. ووصلت السفينة المقلة له إلى بورسودان، وانتقل منها بالمركب الحربي البريطاني (كارن فلاور)، ووصل جدة في يوم الأحد غرة جمادى الأولى 1345هـ/7 نوفمبر 1926م.

ونشرت جريدة (لوجورنال) الباريسية صورة للأمير فيصل وهو يسير على قمة برج أيفل، وقالت: إن الطقس المخيف الذي أرهق أعصاب الفرنسيين لم يمنع الأمير الشاب من تحقيق برنامج الزيارات الموضوع له، وهاهو على البرج، ينظر إلى مدينة النور من خلال طبقة كثيفة من الضباب الثقيل.

ولعل هذه الزيارة كانت من أسباب إصابة الأمير بالنزلة المؤلمة، التي اضطرته إلى قطع رحلته، عملاً بنصيحة أطبائه، والرجوع إلى البلاد، على أن يعود إلى متابعة زياراته المفيدة في وقت آخر. وخلال اعتكافه في غرفته، زاره (سان برليس) محرر جريدة (جورنال) الفرنسية، وتحدث إليه، ونشر مقالاً عنه، بدأه بوصف غرفة الأمير وملابسه العربية. ثم قال: إن الإنسان ليتعجب من هذا التباين بين هذا الوجه الوديع الذي يعبر في لطف، عن معاني العزة والقوة، وبين صورة القوة العنيفة التي كان يثيرها في نفوسنا اسم والده فاتح الجزيرة العربية.

ويتحدث الكاتب بعد ذلك عن الملك عبدالعزيز، وبطولاته، وفتح الرياض وانتصاره على الملك حسين، وفتحه للحجاز، ثم يقول:

وها نحن الآن أمام ابن هذا الفاتح العظيم، أمام فيصل، نائب الملك في الحجاز، وحامي الأماكن الإسلامية المقدسة. فلا عجب إذا حرصت على التحدث إليه، لأن بين رعايا فرنسا ملايين من البشر، لعلهم من أشد المسلمين تمسكاً بدينهم. ثم يلخص الكاتب الأجوبة التي تلقاها من الأمير فيصل، بوساطة الترجمان، وهذه خلاصتها:

أولاً: موارد الحج من أعظم موارد الحجاز، ولكن الحكومة السعودية لا تأذن بأن يساء استغلال الحجاج، كما كانت تفعل الحكومات السابقة، وهي توفر للحجاج كل التسهيلات والخدمات الممكنة، ليقوموا بتأدية الفريضة الدينية. وقد عقدت المؤتمرات لهذه الغاية، وأنيطت العناية بأمور الحج بمصلحة حكومية خاصة.

ثانياً: حادث المحمل المصري، الذي أراد بعضهم استغلاله، حادث بسيط، وقد سُوي فوراً.

ثالثاً: اتفاق الإيطاليين مع إمام اليمن اتفاق تجاري، لا شأن للسياسة فيه.

رابعاً: تحترم الحكومة السعودية استقلال البلاد العربية المجاورة لها، وتقيم معها أحسن الصلات الأخوية ولا تفكر في الاعتداء على أحد منها.

عقد الملك عبدالعزيز مع مسيو ده جوفنيل، في العام الماضي، معاهدة، لضمان حسن الجوار وصلات المودة بين المملكة العربية السعودية وبين سورية، ولهذا الاتفاق عندنا منزلة كبيرة.

وينهي الكاتب مقاله بقوله:

إن الأمراء الوهابيين يملكون مائتي ألف فارس، وهذا أمر يجب أن تقدره، حق قدره، الدول الأوروبية التي تتولى، في الشرق، مهماتٍ خطيرةَ وأحياناً جدّ شاقة!  

الرحلة الثالثة إلى أوروبا

قالت جريدة (أم القرى):

ما فتئت الحكومة تسعى جهدها في توطيد علاقات الود والصداقة مع الحكومات الأجنبية، فعقدت عدة معاهدات مع مختلف الحكومات والدول الكبيرة، على قاعدة مساواة الند بالند وتبادل المصالح.

وحباً في توطيد علاقات الود بينها وبين الحكومات التي تأسست معها علاقات سياسية، فقد أمر جلالة الملك المعظم بإرسال بعثة سياسية على رأسها سمو الأمير فيصل، نجله ونائبه العام، لزيارة عواصم تلك البلدان لتقوية روابط الود والصداقة.

وتحرك الأمير فيصل، في بعثته السياسية هذه، من مكة المكرمة في يوم 5 ذي الحجة 1350هـ/ 13 أبريل 1932م. على متن الباخرة الإيطالية (كرسلي) من جدة يوم الثلاثاء 6 ذي الحجة /14 أبريل. ورافقه في هذه الرحلة فؤاد بك حمزة وكيل وزارة الخارجية، ومرافق سموه خالد الأيوبي، والتحق بالبعثة في ميناء بورسعيد أحد موظفي القنصلية السعودية بدمشق شاهر السمان، الذي كلف بسكرتارية البعثة. وقضت في رحلتها نيفاً وثلاثة أشهر.

وقد أصدر الملك عبدالعزيز أمره بأن يتولى الأمير محمد بن عبدالعزيز مهام الأمير فيصل في فترة غيابه. وجاءت هذه الرحلة بعد تولي الأمير فيصل منصبي رئاسة مجلس الوكلاء ووزارة الخارجية. وكانت في هذه الزيارة استعاضة عن إنشاء سفارات للمملكة في تلك الدول، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت عليها البلاد السعودية آنذاك. يقول فيلبي:

برهن الملك عبدالعزيز على عظيم اهتمامه بقضايا السياسة الخارجية، بإرساله ابنه فيصل في رحلة إلى أوروبا في ربيع عام 1932م، وكان هذا من ناحية للعناية بصحة فيصل التي لم تكن على أفضل حال، ومن ناحية ثانية، وهي الناحية الأهم، لمناقشة عدد متنوع من القضايا السياسية في إنجلترا وفرنسا، ولأخذ فكرة عامة عن الرأي العام هناك حول قضايا الشرق، وكذلك لمعرفة آراء البلاد الأخرى في هذا الموضوع، بما فيها روسيا وتركيا.

زار فيصل إيطاليا وسويسرا، وفرنسا، وبريطانيا، وهولندا، وألمانيا، وبولونيا، واتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ومنها إلى تركيا. كما زار، في طريق عودته إلى البلاد، إيران والعراق والكويت.

في إيطاليا

وصل الأمير فيصل إلى نابولي في يوم الثلاثاء 13 ذي الحجة 1350هـ/19 أبريل 1932م، بعد سبعة أيام من إبحاره من جدة، والتقى ولي العهد الإيطالي الذي أقام له مأدبة غداء.

وبعد ظهر ذلك اليوم التقى السنيور موسوليني، زعيم الحرب الفاشستي، في قصر قديم فخم، فاستقبله بكل ترحيب. وكان ملك إيطاليا يومئذ فيكتور عمانوئيل، ولكنه لم يكن يملك شيئاً من السلطة، لأن موسوليني، كان وحده صاحب الكلمة النافذة في كل شأن من شؤون الدولة، كبيرها وصغيرها. وفي 15 ذي الحجة/ 21 أبريل، دعاه رئيس وزراء إيطاليا إلى حضور حفل استعراض القوات الفاشستية من الشبان دون الحادية والعشرين، وكان عدد القوة خمسين ألفاً، ودام الاستعراض ثلاث ساعات. وبعد ذلك استقل القطار إلى روما، واستقبله ملك إيطاليا بحفاوة، وأقام وليمة على شرفه، ثم أقام له السنيور موسوليني مأدبة عشاء فخمة.

وجرى خلال الزيارة تبادل أوراق إبرام معاهدة الصداقة والمعاهدة التجارية مع مملكة إيطاليا، التي سبق أن وقعت في جدة في 3 شوال 1350هـ/10 فبراير 1932م. وزار الأمير فيصل معسكر الطيران، وجرى استعراض له، وزار مصانع السلاح والحديد في (كارني). وفي يوم الأحد 24 أبريل حضر الاستعراض العسكري، وغادر إيطاليا إلى سويسرا.

في سويسرا وفرنسا

وانطلق الأمير فيصل ومن معه من إيطاليا إلى سويسرا بدعوة من حكومتها، ثم غادرها إلى فرنسا. التي وصلها في 2 مايو عام 1932م، واستقبله رئيس الجمهورية مسيو بول دومر[1]، في قصر الأليزيه، وأقام على شرفه مأدبة عشاء حضرتها شخصيات كبيرة، وشهد فيصل في معسكر ساتوري في مدينة فرساي، مقر ملوك فرنسا قديماً، مناورات حربية اشتركت فيها المصفحات والدبابات والمدفعية الثقيلة، ثم أجريت له في مطار البورجة مناورات جوية، قامت بها أسراب استكشاف ومطاردة. وأدى الصلاة في جامع باريس، وحضر ندوة المحاضرات الإسلامية، وكان يشرف عليها الوزير المغربي المشهور سي قدور بن غبريط.

في بريطانيا

من فرنسا سارت البعثة إلى لندن، واستقبل فيها استقبالاً يليق بمقامه. والتقى بالملك جورج الخامس الذي تبادل البرقيات مع الملك عبدالعزيز بهذه المناسبة. وغادرها في 12 محرم 1351هـ/ 18 مايو 1932م.

في ألمانيا وبولونيا

         زار ألمانيا، حيث وصل برلين في يوم 14 محرم 1351هـ/20 مايو 1932م، واستقبل فيها بحفاوة بالغة. ومنها تحرك في 18محرم /24 مايو إلى بولونيا ومنها، انطلق إلى موسكو.

في روسيا

زار الأمير فيصل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في شهر مايو، فاحتلفت به الحكومة السوفيتية، ولعله آخر مسؤول سعودي يزور الاتحاد السوفيتي. وألقى لينين رئيس الاتحاد، خطبة في مأدبة الغداء التي أقامها على شرف الفيصل في 29 مايو 1932م، قال فيها:

أيها السيد الجليل،

يسرني أن أرحب بمقدمكم إلى بلاد الاتحاد السوفيتي، تمثلون دولة صديقة، وأرحب في شخصكم بملكها جلالة عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود.

لقد كانت العلاقات بين بلدينا، على مدى سنين عديدة علاقات ودية جداً، صادقة تماماً. ولا شك أن زيارتكم لبلادنا، هي إحدى المظاهر السعيدة للصداقة التي تربط بيننا. وإني بهذا السرور أرحب بكم في عاصمة الاتحاد السوفيتي، لأنكم تمثلون حكومة شعب عربي، استطاع بعد الحرب العالمية، وبفضل سياسة قائده الجريئة والبعيدة النظر، أن ينال ويعزز استقلاله التام الذي هو شرط ضروري لتطور البلاد الاقتصادي والثقافي.

إن الاتحاد السوفيتي، حكومة وشعباً، يتتبع باهتمام بالغ، التطور الموفق لسياسة الحكومة التي تمثلونها، والموجهة إلى الدفاع عن استقلال الشعب العربي، وإلى توطيد رفاهيته الاقتصادية والثقافية. وإني لأعرب عن ثقتي بأن الصداقة بين دولتينا تستجيب كل الاستجابة لمصالح شعبينا وخيرهما جميعاً. ولا شك أن مقدمكم إلى الاتحاد السوفيتي سيساعد على دعم قوة هذه الصداقة.

وأرجو أن تنقلوا أطيب تمنياتي بالصحة والرخاء للملك عبدالعزيز، تحياتي الحارة شخصكم، ممثلاً سامياً لدولة صديقة لنا، وقائداً لسياستها الخارجية.

وأتمنى بصدق وإيمان التقدم والازدهار لشعبكم، وتطوراً مستمراً وتعزيزاً للعلاقات الودية بين بلدينا.

في تركيا

وصل فيصل، أنقرة يوم 11 يونيه 1932م، قادماً من موسكو. ولقي فيها حفاوة بالغة من كل الطبقات التركية. والتقى رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، الذي احتفل به في قصره، وأقام له مأدبة عشاء فاخرة يوم 14 يونيه. وزار في أنقرة بعض الإدارات والمصالح الحكومية. وبعد أن ترك أثراً طيباً في نفوس مضيفيه، غادر أنقرة إلى ميناء باطوم على البحر الأسود، يوم 14 صفر 1351هـ/19 يونيه 1932م، ومن هناك سافر إلى طهران عن طريق بحر الخزر (قزوين).

في إيران والعراق

وصل فيصل طهران يوم 26 صفر 1351هـ/1 يوليه 1932م. وأجرى هناك مباحثات ناجحة. ومن طهران توجه ومرافقوه إلى بغداد، في غرة ربيع الأول 1351هـ/5 يوليه 1932م. وزار الأمير فيصل العراق، في طريق عودته إلى الرياض، ووصل بغداد في يوم 3 ربيع الأول 1351هـ/7 يوليه 1932م. وكان على رأس العراق يومئذ، الملك فيصل بن الحسين، الذي سبق له أن أقام البرهان على حكمته ولباقته خلال اجتماعه مع الملك عبدالعزيز في عرض الخليج العربي عام 1930م. وها هو الآن ينتهز فرصة زيارة سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز لتوثيق صلات الأخوة بين السعودية والعراق.

وقد أرسل الملك فيصل الأول، عند وصول الأمير فيصل إلى بغداد، البرقية الآتية إلى الملك عبدالعزيز:

مستعجل

جلالة أخي الملك عبدالعزيز

                                                                      الطائف

سررت جداً من وصول ولدنا الأمير فيصل لبلادنا. انشرحت كثيراً لمشاهدتي إياه، متمتعاً بالصحة التامة، فأهنئ نفسي وأخي العزيز بذلك.

التوقيع: فيصل

ورد عليه الملك عبدالعزيز بالجواب البرقي التالي:

جلالة أخي الملك العزيز

بغداد

أشكر جلالة أخي العزيز على ما حبى به ولده من الحفاوة والإكرام، ولا غرو فإن هذا من مكارم أخلاقكم وحسن سجاياكم، ولا شك أن فيصل اليوم لدى جلالتكم كأنه بين أهله ووطنه. وإني بهذه المناسبة أهنئ نفسي بما وصل إليه العرب من التواد والتواصل، وإن الفضل في ذلك راجع إليكم لأنكم المتقدمون فيه.

التوقيع عبدالعزيز

في الكويت

ومن بغداد استقل الأمير فيصل الطائرة إلى الكويت يوم7 ربيع الأول /11 يوليه، وأقام في ضيافة أمرائها عدة أيام، ثم غادرها متوجهاً إلى الرياض. وكان شقيقه الأمير محمد بن عبدالعزيز ومعه بعض أفراد الأسرة المالكة، قد توجهوا إلى الكويت، ليكونوا في استقباله هناك، وليعودوا معه إلى الرياض.

عاد الأمير فيصل من رحلته الثالثة هذه التي استمرت ثلاثة أشهر، بطريق البر من الكويت إلى الرياض في يوم الاثنين 14ربيع الأول 1351هـ/18 يوليه 1932م.

زيارته الأولى لأمريكا

في أثناء الحرب العالية الثانية، وجه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، عام 1943م، الدعوة  إلى الملك عبدالعزيز لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية. فاختار الملك، ولديه فيصل وخالد، للقيام بهذه الزيارة نيابة عنه. ووصل الأميران فيصل وخالد إلى ميامي في 26 رمضان 1362هـ/ 25 سبتمبر 1943م، ونزلا في بيت مسؤول أمريكي كبير يدعى شارل سبركس. الذي أعجب بالأمير فيصل، ووصف في مذكراته ذكاءه الخارق وصراحته، ورفعه الكلفة بينه وبين ضيوفه، وانسجامه مع من يجالسهم، وتطلعه إلى معرفة الأشياء من حوله، واحتفاظه بزيه العربي التقليدي، وقدرته على فهم الغربيين ومناظرتهم.

وسافر الأميران إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في أكتوبر 1943م، حيث التقى الفيصل الرئيس الأمريكي روزفلت مرتين، وأهداه سيفاً، وأقيمت على شرفه مأدبة عشاء في البيت الأبيض، وأتيحت للفيصل فرصة التعرف على رجال السياسة والمال الأمريكيين. وزارا المحكمة العليا، ومجلس الشيوخ الأمريكي. ثم انتقل الأميران إلى نيويورك، وزارا فيها دار البورصة، وبنك الدولة الأمريكي، ثم زارا المصانع الحربية في نيوجرسي، ومصنعاً للطائرات في لونج أيلاند. وانتقل الأميران بالقطار إلى الغرب الأمريكي، وزارا عدداً من الولايات الأمريكية الأخرى، واطلعوا على المصانع والمعامل الصناعية، والجامعات والمزارع، ومصافي النفط وغيرها من مظاهر التقدم التقني الأمريكي. وأظهر الفيصل اهتماماً بمشروعات الري في نيو مكسيكو، واحتفت بهم شركة النفط أرامكو. كما لقيا حفاوة بالغة من الجاليات العربية في أمريكا.

وفي أواخر نوفمبر 1943هـ، غادر الأميران فيصل وخالد الولايات المتحدة، وتلبية لدعوة من حكومة إنجلترا، ووصلا لندن، بينما كانت تقصفها قوات النازية. ومضى الأميران في طريقهما إلى الفندق في خلال إحدى الغارات الألمانية. وتعد هذه المرة الرابعة التي يزور فيها العاصمة البريطانية. ثم عاد الأميران إلى المملكة، مروراً بالقاهرة، في أواخر ديسمبر 1943م.

زيارته الثانية لأمريكا

كانت زيارة الأمير فيصل الثانية للولايات المتحدة في أبريل عام 1945م، بدعوة من دول الحلفاء لـتأسيس هيئة الأمم المتحدة، حيث انتدبه والده الملك عبدالعزيز لتوقيع ميثاق إنشاء المنظمة الدولية في يونيه 1945م. وألقى خطاباً بعد توقيعه على إعلان الأمم المتحدة، قال فيه:

إنني سعيد جد السعادة بوجودي هذا اليوم ممثلاً لبلادي المملكة العربية السعودية، لتوقيع إعلان الأمم المتحدة، ذلك أن حكومة المملكة العربية السعودية تؤمن إيماناً صادقاً بتلك المبادئ السامية، التي ناضلت الأمم المتحدة، ولا تزال تناضل في سبيل صيانتها، والتي لا بد أن تتغلب على الجور والاستبعاد اللذين حاول العدو فرضهما على كافة البشر.

وإن الحكومة العربية السعودية لتنضم إلى الأمم المتحدة الأخرى في إعلانها القائل أن مبادئ السلم والعدالة يجب أن تسود أنحاء العالم وأن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على هذه المبادئ.

وإن من دواعي اغتباطي أن أقول إن هذه المبادئ تطابق الدين الإسلامي الذي يعتنقه 400 مليون في العالم، وهي التعاليم التي اتخذت الحكومة السعودية منها دستوراً تسير على هديه. ولا غرو فإن الإسلام قد أقام العلاقات البشرية على قواعد الحق والعدالة والسلم والرخاء.

وإن الحكومة السعودية في هذا الوقت الذي أيقنا فيه بتحقيق النصر النهائي، ونوشك أن نجتمع في سان فرنسيسكو لوضع أساس سلم وأمن دائمين، لترجو مخلصة أن يوفق المؤتمر المقبل لتحقيق هدفه في إقامة عهد جديد يعم فيه الرخاء والحق والسعادة جميع أنحاء العالم.

جدير بالذكر أنه واظب على حضور جلسات الأمم المتحدة في نيويورك.

زيارات أخرى

زار الأمير فيصل مصر مرات عديدة، والتقى فيها الملك فاروق الأول، ومنها لقاؤه به في يوم الخميس 16 صفر 1358هـ/6 أبريل 1939م، عند عودته من لندن مع شقيقه خالد. وقابل الكثير من الزعماء السياسيين بها ومنهم رؤساء الحكومات المصرية مثل محمد محمود باشا، ومصطفى النحاس باشا. وبعد الثورة التقى اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر وغيرهما من أقطاب الثورة المصرية.

وزار البحرين برفقة والده الملك عبدالعزيز وولي العهد، الأمير سعود، بدعوة من أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في يوم الثلاثاء 12 ربيع الأول 1358هـ/2 مايو 1939م.

وزار المملكة الأردنية الهاشمية، زيارة شخصية في 31 ديسمبر 1946م، بدعوة من الملك عبدالله بن الحسين، نقلها إليه سمير الرفاعي ممثل الملك عبدالله في لندن. وكان مع الأمير فيصل فيها للتباحث مع المسؤولين البريطانيين حول مشكلة فلسطين. فوافق الأمير فيصل على الدعوة بشرط ألا تبحث في الزيارة أية موضوعات سياسية. ووصل إلى مطار اللدّ في فلسطين، ومنه انتقل بطائرة أخرى إلى عمّان، حيث استقبل فيها استقبالاً رائعاً، من جانب الملك عبدالله، الذي قلده وسام النهضة المرصع من الدرجة الأولى.

المناصب التي أسندت إليه في عهد أبيه

نائب الملك في الحجاز ورئيس الحكومة

بعد مبايعة السلطان عبدالعزيز ملكاً على الحجاز في جمادى الآخرة عام 1344هـ/يناير 1926م، أمر الملك أن يتولى نجله الأمير فيصل رئاسة الحكومة في مكة المكرمة، ريثما يتم ترتيب التشكيلات العامة. وأمر أن يكون مع الأمير فيصل مجلس استشاري مؤلف من رجالات الحجاز، وهم الشيخ حمزة الفعر، والشيخ صالح شطا، والشيخ عبدالعزيز العتيقي. واستلم الأمير فيصل زمام الأمور في 28 جمادى الآخرة عام 1344هـ/13 يناير 1926م . وكان عمره الفيصل آنذاك 19 سنة. وصدر أمر الملك بإضافة الشريف حسين عدنان والسيد حسين ابن نائب الحرم، عضوين في مجلس سمو الأمير فيصل بدار الحكومة.

وفي 21 صفر عام 1345هـ/13 أغسطس 1926م، أصدر الملك عبدالعزيز التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية. وبموجبها صار لقب الأمير فيصل "نائب الملك في الحجاز" أو " النائب العام". وسميت إدارته بالنيابة العامة، التي كانت المرجع العام لكل الدوائر والجهات الحكومية في الحجاز وعسير. وترتبط بها كل إدارات التعليم والصحة والداخلية والمالية.

وبموجب تلك التعليمات صار الفيصل رئيساً لمجلس الشورى. وبذلك ارتبطت أمور الحجاز بالفيصل، ووجد الحجازيون منه اللطف والكياسة والحكمة، وحافظ على علاقات ودية معهم، فأحبوه.

وزير الخارجية

كان الملك عبدالعزيز يفوض الأمير فيصل بالتباحث مع الأطراف الأجنبية في كثير من مسائل العلاقات الثنائية. وتوقيع بعض المعاهدات المهمة، ومنها معاهدة جدة بين المملكة وبريطانيا في 18 ذي القعدة عام 1345هـ/20 مايو 1927م.

وفي 28 رجب 1349هـ/19 ديسمبر 1930م، تحولت مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة، وعينه والده وزيراً لها، إضافة إلى عمله نائباً للملك، لما تمتع به من صلات قوية، وعلاقات طيبة مع الممثلين الأجانب، ولما اكتسبه من خبرة، وما حققه من نجاح في رحلاته إلى الخارج. وأنيطت به معظم المهام الخارجية التي كان يكلفه بها والده. وترك بصماته على سياسة المملكة الخارجية. وظل محتفظاً بهذا المنصب معظم حياته. ووقع خلال عمله وزيراً للخارجية كثيراً من الاتفاقيات والمعاهدات بين المملكة وبين الدول الأجنبية.

رئيس مجلس الوكلاء

في 7 رمضان 1350هـ/ 15 يناير 1932م استحدث الملك عبدالعزيز نظام الوكلاء، وهو بمثابة مجلس للوزراء. وعين الأمير فيصل رئيساً له، وألحقت به الجهات التالية: الديوان الملكي، الخارجية، المالية، العسكرية، الشورى، الداخلية، رئاسـة القضاء، أمراء الملحقات. وعين الفيصل وكيلاً للداخلية، وتتبعها دوائر المعارف، والصحة، والبريد، والمحاجر الصحية (الكورنتيات)، والشرطة، والبلديات.

رئيس مجلس الشورى في رمضان 1350هـ/ يناير 1932م.

نائب رئيس مجلس الوزراء.

في أول صفر 1373هـ/ أكتوبر 1953م أصدر الملك عبدالعزيز مرسوماً بإنشاء مجلس للوزراء، وجعل ابنه ولي العهد الأمير سعود رئيساً له، واشترط عليه اتخاذ نائب له في رئاسة المجلس. فكان الأمير فيصل هو نائب رئيس مجلس الوزراء. وقد توفي الملك عبدالعزيز عقب هذا بشهر ونصف.

ديوان النيابة العامة في الحجاز

حين ضم الملك عبدالعزيز آل سعود الحجاز إلى مملكته عام 1344هـ، عين ابنه فيصلاً نائباً له في الحجاز. وتمشياً مع المكانة الرفيعة لهذا المنصب منحه بيت حكومة الأشراف، ليصبح منزلاً له. واتخذ لديوانه بيتاً خاصاً كبيراً، يملكه موظف في تلك الحكومة يسمى السقاف. وكانت أسرة السقاف قد كونت لنفسها ثروة طائلة، نتيجة قيامها بأعمال قاولتها عليها الحكومة البريطانية في سنغافورة. وقد أنفقت معظم هذه الثروة في إنشاء أبنية بديعة في مكة المكرمة وجدة. وضع الملك يده على عدد من هذه الأبنية لاستعماله الخاص، ولكنه دفع تعويضات كبيرة عنها إلى أسرة السقاف. وبذلك ضمن، كعادته، أنها لن تخسر شيئاً من جراء تصرفه.

كان ديوان النائب العام الأمير فيصل في الحجاز، يتألف من شُعب مختلفة، لكل واحدة منها عمل خاص تقوم به. وفيما يلي أسماء الشُّعب:

1. المكتب الخاص

ويتلقى مكاتبات سمو الأمير النائب العام، الخاصة والسرية، والإجابة عنها، وتدوينها. ويتلقى البرقيات، ويقوم بتفسيرها وحلها. ويتشكل المكتب من:

أ. رئيس الديوان.

ب. مأمور البرقيات.

ج. معاون مأمور البرقيات.  

د. كاتب الآلة ومأمور الأوراق المحفوظة.

2. ديوان النيابة العامة

وهو الإدارة التي تتلقى جميع المعاملات والأوراق، التي ترفع من الدوائر الرسمية والأفراد. وتقوم بإتمام المعاملات اللازمة، بمقتضى ما يصدر به أمر النائب العام. ويتشكل هذا الديوان من الُّشعب التالية:

أ. شعبة التحرير.

ب. شعبة التسجيل.

ج. شعبة تبييض الأوراق.

د. شعبة الأوراق.

هـ. شعبة الترجمة.

3. مكتب اللجنة الدائمة لمجلس الوكلاء.

 



[1] وقع حادث اعتداء على هذا الرئيس الفرنسي يوم 5مايو 1932م، ومات متأثراً بجراحه في اليوم التالي.