إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

858هـ/1454م

الخميس، 19 ربيع الآخر، الموافق لـ 18 أبريل: عقد جمهورية "البندقية"، وإمارة "ناكسوس/ناكشا" التابعة لها، معاهدة صلح مع الدولة العثمانية

لقد منحت للبنادقة، بموجب معاهدة الصلح هذه، حرية التجارة في الموانىء العثمانية. وسمح بإقامة قنصل للبنادقة في "إستانبول"، بلقب "باليه/باليوز. وقد تقرر فرض ضريبة سنوية على حكومة "البندقية"، بمبلغ مائتي ألف دوقة ذهباً، في مقابل حصانة أراضيها في "ألبانيا"، كما كان الأمر في عهد "مراد الثاني". يضاف إلى ذلك أن الجمهورية، اضطرت إلى دفع فدية كبيرة؛ لفك البنادقة المأسورين في فتح "إستانبول". والحقيقة، أن هذا المبلغ، الذي فرض على حكومة "البندقية"، وهو مائتا ألف دوقة، مع المبالغ، التي ذكرت سابقاً، وهي ستة وثلاثون ألف دوقة ـ كان يعني واردات كبيرة، بالنسبة إلى الخزينة العثمانية. وكانت الأخراج والغنائم وفدية الأسرى، وغيرها من الواردات، قد أنعشت الخزينة العثمانية، في عهد الاستيلاء، من جهة؛ ورفعت المستوى المعيشي وأثرته، من جهة ثانية.

وإضافة إلى تلك الشروط، المالية والتجارية، وبناءً على المعاهدة المعقودة مع البنادقة، فقد أصبحت أرواح الرعايا، من الطرفين، وأموالهم، مصونة، وشمل ذلك إمارة "ناكسوس/ناكشا"، الموجودة في الجزر اليونانية، ورعاياها. ولقد استمر هذا الصلح العثماني – البندقي، تسع سنوات.

إكمال منشآت قصر "أسكي سراي"

إن أول قصر بناه السلطان "محمد الفاتح" في "إستانبول"، يقع، حالياً، ضمن المدينة الجامعية لجامعة "إستانبول". ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"، لما توجه إلى "أدرنة"، أمر ببناء هذا القصر، الذي يقع في وسط مدينة "إستانبول"، حيث اختار الموقع بنفسه. وهذا القصر القديم، قد أقيم مكان دير خرب قديم.

لقد اكتملت منشآت المبنى، خلال سنة واحدة. وتفيد إحدى الروايات، أن المبنى اكتمل في سنتين. وتشير رواية ثالثة إلى خمس عشرة سنة.

ويبدو من المؤكد أن السلطان "محمداً الفاتح" كان يقيم في هذا القصر القديم، كلما أتى إلى "إستانبول"، تفريقاً بينه وبين القصر الجديد، وهو قصر "طوب قابي".

ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"، لما انتقل إلى قصر "طوب قابي"، كان قد بقي في القصر القديم أفراد "الأندرون"؛ وذلك حتى عهد السلطان "سليمان القانوني".

الحملة الأولى على "صربيا"

كانت أولى الحملات الكبيرة، التي قام بها السلطان "محمد الفاتح"، هي الحملة على الصرب. وكان من أهم الأسباب، التي تذكر في المصادر المختلفة لهذه الحملة، قيام الملك الصربي، "جورجي برانكوفيج"، بالتجاوز على الأراضي العثمانية، اعتماداً على "المجر"؛ والإخلال بمعاهدة التبعية للعثمانيين، مما أدى ضرورة القيام بفتح "صربيا"، التي كانت ذات موقع متميز، من حيث الناحية العسكرية ضد، المجر،. وكذلك سياسة السلطان "محمد الفاتح"، الرامية إلى الاستيلاء على كل البلقان، لتدخل تحت الحكم العثماني.

وكانت هناك قلعتان مهمتان، تعدان مفتاحاً لـ"صربيا"، في ذلك الوقت؛ هما: قلعة "سمندرة"، التي كانت عاصمة "برانكوفيج"؛ وقلعة "سفريجة حصار/أوستروفيجا"، التي تحفظ فيها الخزائن الصربية. ولقد تم فتح "سفريجة حصار" من القلعتين المذكورتين، من خلال إطلاق المدافع الكبيرة على أسوارها. أما قلعة "سمندرة"، فعلى الرغم من ضرب الحصار عليها، والتمكن من استحكاماتها، وبالنظر إلى مقاومة القلعة الداخلية، فقد رفع الحصار، وعاد الجيش العثماني إلى "أدرنة". ولقد حصل العثمانيون، في هذه الحملة، على خمسين ألف أسير، والعديد من الغنائم. وبناءً على المصادر العثمانية، فقد انتقلت خزينة المملكة الصربية، التي كانت مخبأة في "سفريجة حصار/أوستروفيجا"، إلى يد الأتراك.

ولقد قاد السلطان "محمد الفاتح" بنفسه الجيش العثماني، في حملة "صربيا".

أما مدينة "سمندرة"، التي كانت قد تم الاستيلاء عليها من لدن العثمانيين، من قبل، فقد أعيدت إلى الصربيين، في عهد السلطان "مراد الثاني"، بناءً على معاهدة "سزه كدين" السلمية.

ولما انسحب الجيش العثماني، أبقيت قوة، قوامها ثلاثون ألف جندي، تحت قيادة الأمير "محمد بن فيروز بك"، للحفاظ على المواقع، التي تم الاستيلاء عليها في هذه الحملة.

هزيمة "كروشفاج"، وإخضاع "صربيا" تحت الطاعة، بسبب أسر الأمير "محمد بن فيروز بك"

وكما اتضح من الفقرة السابقة، لما عاد السلطان "محمد الفاتح" من حملته الأولى على "صربيا"، إلى "أدرنة"، كلف الأمير "محمد بن فيروز" بالحفاظ على الأراضي المفتتحة، وتوسيع نطاقها. وترك في معيته قوة، قوامها 20-30 ألف نسمة. ويذكر أن مقر جيش "محمد بك"، كان بجوار "كروشفاج".

ولما رأى القائد المجري، "يانكو هونياد"، والملك الصربي، "برانكوفيش"، انسحاب السلطان "محمد الفاتح" من "صربيا"، بعد ترك قوة لا يؤبه لها، فقد وجدا الفرصة مواتية للقيام بحملة على هذه القوة. فقاما على رأس القوات، المجرية والصربية، بالهجوم المباغت على تلك القوة العثمانية، التي كانت تقل كثيراً عن قواتهما، فهزماها، بل نجحا في أسر القائد العثماني، "محمد بك" أيضاً.

وبناءً على هذا الحدث، قام السلطان "محمد الفاتح" بالهجوم على العدو. إلا أن "يانكو هونياد"، هرب إلى "المجر". واضطر الملك الصربي إلى دفع خراج سنوي، قدره ثلاثون ألف دوقة ذهباً، وقبول التبعية العثمانية والانقياد لها.

 

859هـ/1455م

الحملة الثانية على "صربيا"

يذكر أن سبب هذه الحملة الثانية، هو الضرورة، التي نادى بها قائد الحدود، "عيسى بك بن أفرنوس".

وبعد أن تم الحصار على مدينة "نوفوبراء/نوفوبردا"، الشهيرة بمعادن الفضة، والتي كانت مستحكمة للغاية، أربعين يوماً، تم الاستيلاء عليها، في أواسط جمادى الآخرة، بعد الهجوم عليها. وبعد أن تم الاستيلاء على بعض القلاع في هذه المنطقة، اتسع نطاق الفتوحات التركية، وزار خلالها السلطان "محمد الفاتح" مشهد مصرع "خداوندكار" [مراد الأول] في صحارى "كوسوفا"، ثم عاد إلى "إستانبول"، عن طريق "سلانيك". وتفيد إحدى الروايات، أن قلعة "نوفوبردا"، قاومت سبعة أيام، ثم سقطت.

ويذكر أن القائد المجري، "يانكو هونياد" اقترح على الملك الصربي، "برانكوفيج"، الاستمرار في الصراع حتى النهاية. إلا أنه بالنظر إلى كون الصربيين على المذهب الأرثوذكسي، والمجريين على المذهب الكاثوليكي، فقد منع ذلك الاختلاف المذهبي من قيام الشعبين ضد العثمانيين، موحدين؛ وكان لإنقاذ السلطان "محمد الفاتح" الكنيسة الأرثوذكسية من التبعية الكاثوليكية، بعد فتح "إستانبول"، تأثير كبير في توسع نطاق الفجوة بين المذهبين؛ بل إنه، لهذا السبب، يشبه الخلاف المذهبي، بين الصربيين والمجريين، بالخلاف الذي كان موجوداً بين البيزنطيين الروم والكاثوليك اللاتين. وهناك كلام مشهور لـ"يانكو هونياد"؛ فقد رد على الملك الصربي، "برانكوفيج"، الذي سأله عن المعاملة، التي يقوم بها تجاه الأرثوذكسية الصربية، إذا ما انهزم الأتراك:

ـ سوف أبني، في كل "صربيا" كنائس للكاثوليك.

والحقيقة أن السؤال نفسه، وجهه الوفد الصربي إلى السلطان "محمد الفاتح"، فكان رده عليهم:

ـ يمكن إنشاء كنيسة أرثوذكسية، بجانب كل مسجد.

فبناءً على ذلك، فإن إعادة الاستقلال القديم للبطريركية الأرثوذكسية، بعد فتح "إستانبول"، من جهة؛ وتوفير السلطان "محمد الفاتح" الحرية المذهبية للصرب، والتي لم يقبل الكاثوليك منحها لهم، من جهة ثانية ـ كانا من أهم العوامل، التي زعزعت الاتفاق المجري ـ الصربي. ويبدو، أن أكثر أسلحة الأتراك بتراً، في عهد الاستيلاء على البلقان، كان عدالتهم تجاه شعوبها.

انتصار "برات" في "ألبانيا"

إن الذي دفع السلطان "محمداً الفاتح"، إلى القيام بهذه الحركة ضد الألبانيين، كونهم قد استغلوا انشغال السلطان "محمد الفاتح" بحصار "إستانبول"، فقاموا بالاعتراض للقوة التركية، الكامنة في المنطقة، ولعدة مرات. وقد فتحوا ضد الأتراك، في عام 856هـ/1452م، معركتين على وجه الخصوص؛ وهزموا القوات التركية، في يوم الأحد، 12 ربيع الآخر 857هـ/22 أبريل 1453م؛ وذلك في أثناء عملية حصار "إستانبول". فكان السلطان "محمد الفاتح"، يريد تلقين درس لمثل هؤلاء المستغلين، من جهة؛ وحل مسألة "ألبانيا"، التي كانت شبيهة برأس حربة، في جمع القوات البلقانية ضد النفوذ التركي، من جهة ثانية.

ولقد دخل "عيسى بك بن أفرنوس" إلى "ألبانيا"، بعد الحملة الثانية على "صربيا"، في يوم السبت، 10 شعبان، الموافق لـ 26 يوليه، على رأس قوة، قوامها أربعون ألف نسمة. وتمكن من صد قوات ملك "نابولي"، التي اتحدت مع قوات "إسكندر بك"، قبالة مدينة "برات"، وقضى على نصف القوات الألبانية ـ الإيطالية، وأسر المتبقين منهم، بعد فرار بعضهم. ولقد وقع العديد من أمراء "ألبانيا"، في هذه المعركة، قتلى. وبدأ، بعد هذا التاريخ، انخفاض نفوذ "إسكندر بك" ومكانته. كما انكسرت معنويات المحاربين الألبان.

وجرت هذه المعركة أمام مدينة "برات"، نظراً إلى كون "إسكندر بك"، في تلك الفترة، قد ضرب الحصار، مع حلفائه الإيطاليين، على هذه المدينة.

إعلان الحرب في وجه فرسان "رودس"، وحملة الأسطول العثماني على الجزر

تذكر بعض المصادر سبب هذه الحملة البحرية، بأن رئيس فرسان "سان جان"، في "رودس"، "جاكوا دو ملي"، الذي يلقب، باللغة اللاتينية، بـ"ماجنوس ماجستر"؛ وبالرومية، بـ"مغاس ماستوريس"؛ وبالفرنسية، بـ"جراند مايتر"؛ وفي المصادر العثمانية المتأخرة، بـ"الأستاذ الأعظم" ـ قد أرسل وفداً إلى الدولة العثمانية، مع الهدايا، طالباً عقد معاهدة تجارية. فلما قيل له بضرورة دفع الخراج، على غرار الجزر الأخرى، اغتر بنفسه، ورفض الطلب. وفي الحقيقة، أن الوضع كان مختلفاً؛ إذ إنه، بناءً على فتح "إستانبول"، فقد انضمت "رودس" إلى التحالف الصليبي، الذي ضم كلاً من "المجر" و"آراغون" وفرنسا و"برجونيا" و"جنوى" و"البندقية"، برئاسة البابا "كالكتوس الثالث". وإضافة إلى أن فرسان جمهورية "رودس"، الذين كانوا يخلون بأمن السفن، كانوا يقومون أيضاً بضرب السواحل العثمانية، والاستيلاء على السفن التركية. بل يروى أن سجون "رودس"، كانت مملوءة بالأسرى الأتراك. وبناءً على هذا الوضع، فقد سبق أن توجه أسطول عثماني، تشكل من ثلاثين سفينة شراعية، بأمر السلطان، في عام 858هـ/1454م، إلى بعض الجزر التابعة لفرسان "رودس"، لمقابلتهم بالمثل.

فهؤلاء الفرسان، الذين كانوا، في الحقيقة، بقايا الصليبين القدامى، قد تشبثوا بـ"رودس" منذ عام 709هـ/1309م، حيث استولوا على بعض الجزر الأخرى في المنطقة. وكان تحت إدارة هؤلاء الفرسان، التابعين لمختلف الملل الأوروبية، تسع جزر، وعلى رأسها "رودس"، وكان في حوزتهم قلعة "بودروم"، الواقعة على سواحل الأناضول. وتلك الجزر هي: "رودوس/رودس"، "هركه/شاركي/شالكي"، "إلياكي/إيلكي/تيلوس/بيسكوبي"، "إنجرلي/نيسيروس"، "إستانكوي/كوس/ستانشيو"، "لريوز/إلروز"، "سومبكي/سيميا/سيمي"، "كالمنوس" و"ليمونيا/ليمنيونا". وهذا يعني أن دولة "رودس" الصليبية، كانت تتشكل من عشر قطع من الأراضي: الجزر التسع، وقلعة "بودروم".

ويذكر أن الأسطول، الذي أرسله السلطان "محمد الفاتح" للحملة على "رودس"، كان يتكون من ثمانين سفينة، كانت تضم 15-18 ألف جندي. وهناك اختلاف حول اسم قائد الأسطول؛ فبناءً على رواية ضعيفة، فإن "خاص يونس باشا أو بك"، هو الذي أصبح قبطاناً، وحل محل "سليمان بالته أغلو"، وليس "حمزة بك"؛ وإنه [أي "خاص يونس"] هو الذي قاد هذه الحملة. والحقيقة، أن قائد هذه الحملة بشكل عام، هو "حمزة بك". ويبدو أن هذه الرواية الثانية أقوى من الأولى.

وقد هاجم الأسطول العثماني، في حملة الجزر هذه، كلاً من "إستانكوي"، و"إنجرلي" و"سومبكي" و"لريوز" و"كالمنوس"؛ وضرب الحصار على قلعة "آنديماشيا" ودمرها. كما حصل على الغنائم والأسرى من الجزر الأخرى. ودمر، على وجه خاص، استحكامات جزيرة "آرشانجيلوس"، الواقعة في جنوب شرقي جزيرة "رودس"، وأحرقها، وأعمل السيف في المدافعين عنها، وتم الحصول على الأسرى منها أيضاً. إلا أنه لم يتم الاستيلاء على أي جزيرة من تلك الجزر.

كما تم التعرض، في هذه الحملة البحرية، لجزيرة "ساقز" الجنوية، وفرض عليها الخراج. وسبب ذلك، كون هذه الجالية الجنوية، لم تقدم المساعدات للأسطول العثماني؛ على الرغم من فرض الخراج عليها من قبل، وعدم تسوية حسابات أحد التجار من "غلطة"، على وجه خاص. والحقيقة، أن هذا التاجر، كان جنوياً، واسمه "درابريس". إلا أنه، بالنظر إلى كونه من "غلطة"، فهو من رعايا السلطان "محمد الفاتح". ولهذا السبب، فقد احتمى به، في وجه بني جلدته، في "ساقز". وكانت ديون "درابريس" على أهالي "ساقز" أربعين ألف دوقة ذهباً. ويروى أن السلطان "محمداً الفاتح"، قد تعهد للتاجر بتحصيل هذا المبلغ من أمواله. ولذلك، لم يتم القيام بأي عملية إنزال للجنود إلى جزيرة "ساقز". واكتفي بانهزام القوات المحلية، وهدم بعض المنازل والبساتين، والحصول على بعض الغنائم والأسرى. ويروى أن الانتصار، الذي تحقق، ضد جنويي جزيرة "ساقز"، كان في 14 المحرم 860هـ، الموافق لـ 24 ديسمبر 1455م. وتذكر بعض المصادر، أن أهم أحداث هذه الحملة البحرية على الجزر، كان الانتصار، الذي تحقق في "ساقز".

وفي أثناء عملية الأسطول العثماني في الجزر، لم يظهر أي من أسطولي "رودس" و"جنوى".

وعلى الرغم مما حصل، فإن عدم الاستيلاء على الجزر، وافتقاد بعض الجنود والسفن، قد أزعج السلطان "محمداً الفاتح"، فعزل القبطان "حمزة بك" من منصبه. ويروى أن "خاص يونس بك"، قد عين في هذا المنصب، بناءً على عزل "حمزة بك".

وبناءً على ما جرى، فقد اضطر فرسان "رودس" إلى تجديد المعاهدة، بموجب الشروط، التي قبلوها، في أثناء جلوس السلطان "محمد الفاتح" على كرسي الحكم.

 

860هـ/1456م

فتح إمارة "أنز" الجنوية، والجزر التابعة لإدارتها

تورد المصادر العثمانية السبب الوحيد لهذه الحملة، وهو قيام أمير "أنز/آينوس"، الجنوي "دوريا"، بالتعامل السيئ مع قاضي "فيره جيك"؛ وكذلك تعامله السيئ مع الأتراك في "إبسالا" و"فيره جيك"؛ والشكاوى، التي رفعت من لدن الأتراك، ببيع الملح لغير الأتراك، والأضرار الاقتصادية الناجمة عنه. إلا أن هناك بعض الأسباب السياسية، غير ذلك السبب الاقتصادي.

كانت أسرة "جاتلّوسي"، هي الحاكمة، في تلك الفترة، لمرسى "أنز/آيدوس"، الواقع في مدخل نهر "مريج"، حتى جزر: "مدلي" و"ليمني" و"إمروز" و"سمنديرك" و"تاشوز". ومؤسس هذه الأسرة، "فرانسسكو جاتلوسي"، الذي بدأ في عهده حكمها لهذه المنطقة ـ كان قد قدم مساعدة للإمبراطور البيزنطي الشرعي المخلوع، "يؤانس الخامس"، ضد "كانتاكوزينوس السادس"، نسيب الأمير "أورخان غازي"، الذي استولى على الإمبراطورية البيزنطية. فكان مكافأة له على هذه الخدمة، تقديم أخت الإمبراطور "يؤانس الخامس"، الأميرة "ماريا" إليه؛ وتوجيه إمارتي "أنز" و"مدلي" في 755هـ/1354م. ومنذ ذلك التاريخ، استطاعت هذه الأسرة أن تحافظ على كيانها في الحكم، مائة سنة وسنتين، في وسط الفتوحات العثمانية، من خلال دفع ثلثي واردات المنطقة إلى الخزينة العثمانية، سنوياً. وكان، في أثناء فتح "إستانبول"، يحكم مرسى "أنز" وجزيرة "سمنديرك"، "بالاميدي"، من أسرة "جاتلوسي"؛ وعلى جزيرة "مدلي"، "رودريكو". وكما اتضح من الفقرة قبل الأخيرة، في أحداث عام 857هـ/1453م، فإنه في أثناء قدوم المرخصين، من جزر "إمروز" و"تاشوز" و"ليمني" البيزنيطة، لتقديم تبعيتها للدولة العثمانية، بعد فتح "إستانبول"، قدمت وفود أيضاً إلى "أدرنة"، من أمراء "جنوى" لتقديم خضوعها، مع التهنئة بالفتح. فمنحت تلك الجزر للأمراء الجنويين، بشرط بقائها تحت الحكم العثماني. إلا أنه بعد مدة يسيرة من تسوية الأمر، على تلك الشاكلة، تعرضت إمارة "أنز" للتبديل، حيث نصب "دوريا" على الإمارة، بناءً على وفاة والده "بالاميدي". وهذا الأمير الجديد" "دوريا"، تحمس، للتشجيع الذي لقيه من الإيطاليين، فقام بوضع الاستحكامات ضد الأتراك، ومنع زوجة أخيه، الذي توفي من قبل، وابنها الصغير، من الاستمتاع بالأرض، التي منحها إياها والده في حياته. فلم يكن من المرأة، إلا أن رفعت شكواها إلى السلطان "محمد الفاتح". ويبدو أن شكوى قاضي "فيره جيك"، كانت في الوقت نفسه، الذي رفعت فيه المرأة شكواها.

وعلى الرغم من موسم الشتاء القارس، فقد توجه الأسطول العثماني، الذي تكون من عشر سفن، بقيادة "خاص يونس بك"، في شهر صفر، الموافق لشهر يناير؛ في الوقت، الذي ضرب فيه السلطان "محمد الفاتح" الحصار، من البر، على "أنز"، حيث أعلنت استسلامها، على الفور.

وبعد أن أقام السلطان في قصر "أنز" يوماً أو يومين، كلف الوزير الأعظم، "محمود باشا" بالاستيلاء على الأراضي التابعة لهذه الإمارة، وعاد إلى "أدرنة".

وفي تلك الفترة، التي كان "دوريا" موجوداً فيها في "سمنديرك"، قد توجه منها إلى "أدرنة"، وأعلن دخيليته على السلطان "محمد الفاتح". فمنحه السلطان قرية أو قريتين، لإعاشته، وانتقل إلى "مدلي".

وبناءً على هذا الوضع، فإن الأهالي غير الراضين عن إدارة "جنوى"، التي كانت متحكمة في جزر "إمروز" و"تاشوز" و"سمنديرك"، قد طالبوا بالإدارة التركية؛ فتم الاستيلاء على جزيرة "ليمني" بسهولة. وفي هذه الأثناء، عين "محمود باشا" المؤرخ البيزنطي، "كريتوفولوس"، مسؤولاً عن إدارة "إمروز".

وبناءً على هذا الوضع، فقد بقي في حوزة الفرع الثاني من أسرة "جاتلوسي"، جزيرة "مدللي"، التي تم الاستيلاء عليها، بعد ست سنوات. وبناءً على الاستيلاء على جزيرة "ليمني"، فقد عين "حمزة بك"، الأدميرال البحري، على ولايتها.

الحملة الثالثة على "صربيا" وحصار "بلجراد"

إن هذه الحملة الثالثة على "صربيا"، والتي أدارها السلطان "محمد الفاتح"، قد وصلت إلى قلعة "بلجراد"، بعد أن تم الاستيلاء على كل الأراضي الواقعة على الطريق.

كان عدد الجيش العثماني، في هذه الحملة، نحو مائة وخمسين ألفاً. وقد وصل أسطول مكون من مائتي سفينة، من خلال نهر "طونا". وكان عدد مدافع السلطان "محمد الفاتح"، الصغيرة والكبيرة، نحو ثلاثمائة. أما الهدف المنشود من هذه الحملة، فقد كان فتح قلعة "بلجراد". وكانت "بلجراد"، في تلك الفترة، تحت الحكم المجري. وكان العثمانيون يعدونها باباً إلى "المجر". وكان الاستيلاء على هذا الباب، يمكن أن يمنع الوحدة، التي قامت، قبل فترة، بين الصرب و"المجر". وكانت "سمندرة"، التي تقع على مسافة أربعة وأربعين كم من "بلجراد"، في جنوب شرقها، عاصمة لـ"صربيا". وللتمكن من "صربيا"، لا بد من الاستيلاء على هذين الموقعين المهمين.

ولقد بدأ الحصار على "بلجراد"، في يوم الأحد، 9 رجب، الموافق لـ13 يونيه؛ واستمر تسعة وثلاثين يوماً، حتى الخميس، 18 شعبان، الموافق لـ 22 يوليه من هذه السنة. وعلى الرغم من ذلك، هناك رواية، تفيد أنه استمر واحداً وثلاثين يوماً، حتى يوم الأربعاء، 10 شعبان، الموافق لـ14 يوليه.

وقد وصلت قوات مساندة، للدفاع عن "بلجراد"، متشكلة من الإيطاليين والألمان والبوهميا، قوامها ستون ألف نسمة؛ وذلك بتشجيع من البابا "كالكتوس الثالث"، الذي ينتسب إلى أسرة "بورجيا"، وتشويق من الراهب "جيفاني دي كابسترانو". يضاف إلى ذلك، أن البطل القومي المجري "يانكو هونياد"، قد وصل بقوة مهمة، مع أسطول نهري، تشكل من مائتي سفينة، في الوقت، الذي كانت فيه قوات "كابسترانو"، تدافع من الداخل. ولذلك، فإن مقدم هذه القوات الكبيرة، بقيادة "يانكو هونياد"، مع السفن، قد أدى إنقاذ "بلراد". وبما أن الأسطول، فقد بعض السفن، فإنه اضطر إلى الانسحاب، فأصبح "يانكو هونياد" المتحكم في نهر "طونا".

وكان الجيش العثماني، قد قام، في هذا الحصار، بثلاث حملات عامة؛ وفي الحملة الأخيرة، التي جرت يوم الخميس، 18 شعبان، الموافق لـ 22 يوليه، على وجه الخصوص، تمكن الجيش العثماني من الضواحي، ونجح في النفاذ منها إلى قلب المدينة. وعلى الرغم من الاستيلاء على "بلجراد"، فترة من الوقت، فإن الهجوم، الذي قام به الراهب "كابسترانو"، من الخلف، بعد وصول القوات المساندة إليه، وقيامه بإحراق الأدغال الكبريتية، أدى تراجع الجيش العثماني. بل يذكر أن قوات "كابسترانو" قد تقدمت إلى أن وصلت إلى معسكر العثمانيين. وبناءً على هذا الوضع، فقد أخذ السلطان "محمد الفاتح" بزمام أمور القيادة، واستطاع دحر قوات العدو المهاجمة. وفي الوقت، الذي كان يوشك فيه أن يدخل قواته إلى داخل المدينة، أصيب بجرح في رجله، أدى توقف الحركة. ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"، قد تألم كثيراً من هذا الجرح.

ولقد استشهد، في هذه المعركة، أمير أمراء "الروملي"، "دايي قره جه باشا؛ وآغا الإنكشارية، "حسن آغا".

ولم يكن السلطان "محمد الفاتح"، هو الوحيد، الذي جرح في هذه المعركة؛ فإن "يانكو هونياد" أيضاً أصيب بجروح بالغة، أدت، فيما بعد، موته. كما يذكر أن الراهب "كابسترانو" أيضاً، أصيب بجرح في المعركة.

ورفع حصار السلطان "محمد الفاتح" عن "بلجراد"، في يوم الخميس، 18 شعبان، الموافق لـ22 يوليه، بناءً على ذلك الوضع.

ويبدو أنه على الرغم من جرح السلطان "محمد الفاتح"، الذي أدى رفع الحصار عن "بلجراد"، هدم العمود الأساس لـ"المجر" [يانكو هونياد]، وهو أعدى أعداء الأتراك، في المعركة أيضاً.

وكان الحصار الأول على "بلجراد"، في عهد "مراد الثاني" بقيادة "علي بك أفرنوس"؛ وقد استمر ستة أشهر. وعلى الرغم من أن الجيش دخل إلى المدينة، في فترة من الوقت، فإنه اضطر إلى الخروج منها.

موت "يانكو هونياد" و"جيفاني كابسترانو"

لقد أدت الإصابة المهلكة، التي أصيب بها البطل المجري القومي، "يانكو هونياد"، في حملة "بلجراد" الثانية، موته، في يوم الأربعاء، 9 رمضان، الموافق لـ 11 أغسطس. وبناءً على ذلك، فإن "يانكو هونياد" مات بعد انتهاء حصار "بلجراد" بعشرين يوماً.

إن موت هذا العدو اللدود، يعد تمهيداً، سهل الفتوحات العثمانية في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن انهزام "يانكو هونياد" في معركتي "فارنا" و"كوسوفا" الثانية، في عهد "مراد الثاني" ـ من أهم الأحداث، التي أكدت الحكم العثماني في البلقان.

وبعد موت البطل القومي المجري بشهرين وثلاثة عشر يوماً، ومرور ثلاثة أشهر وثلاثة أيام على حصار "بلجراد"، وذلك في يوم السبت، 23 ذي القعدة، الموافق لـ 23 أكتوبر، مات الراهب الإيطالي الشهير، "كابسترانو"، في "بلجراد"، بأجله، حسب إحدى الروايات؛ أو بالجرح، الذي ألم به في معركة "بلجراد"، حسب رواية ثانية. وقد أدخل، فيما بعد، من لدن البابوية، إلى زمرة "الأعزة".

 

861هـ/1456م

مسألة وراثة "صربيا"

لقد مات الملك الصربي، "جورجي برانكوفيج"، في يوم الجمعة، 26 المحرم، الموافق لـ24 ديسمبر. ونظراً إلى اسم والدة، "فولك"، تتحدث المصادر العثمانية عنه بـ"ابن فولك". ولما مات "برانكوفيج"، حل محله ابن الصغير، "لازار". إلا أنه بالنظر إلى موته أيضاً بعد شهرين، فقد بدأت "صربيا" تشهد صراعاً على وراتثها.

وبموجب أقوى الروايات، كان لـ"برانكوفيج" ثلاثة أبناء وبنتان. وبما أن الأميرة "مارا"، قد تزوجت، في حينه، السلطان "مراداً الثاني"، فإنها تحمل لقب "الملكة"، بين الصربيين. و"لازار"، الذي كان أحد إخوان "مارا" الثلاثة، مات بعد أن حكم البلد مدة شهرين. أما أخواها الآخران، فنظراً إلى فقء عيونهما على أيدي العثمانيين، من قبل، بدأ الادعاء بحق الوراثة ضدهما. فهذان الأميران الأعميان، كانا محبوسين في "توقاد" أو في قلعة "ديمتوقا"، وأعيدا، فيما بعد، بناءً على معاهدة "سزه كدين"، التي عقدت في عهد "مراد الثاني". فقد خرج، إلى الساحة، في مواجهة هذين الأميرين مع أختهما، "مارا"، التي هي خالة السلطان "محمد الفاتح" [أي زوجة والده]، دعيّان اثنان. أحدهما، أرملة "لازار"، الذي حكم البلد شهرين، "ألني"؛ والثاني نسيب "لازار"، ملك "البوسن"ة. ونظراً إلى علم "ألني" أنها لا تستطيع إنقاذ "صربيا" من الأتراك، فقد تخلت عن كل حقوقها للبابا، الذي أرسل كاردينالاً، قبل حكم "صربيا"؛ وبذلك أصبح عدد الأدعياء ثلاثة.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن أقوى المدعين، هو السلطان "محمد الفاتح". وقد سبق للسلاطين العثمانيين، أن أسسوا علاقات نسب مع الصربيين، مرة ومرتين. بل يذكر أن "مراداً الثاني"، والد السلطان "محمد الفاتح"، كان قد ادعى حق وراثة "صربيا"، نظراً إلى زواج السلطان "يلدرم بايزيد" الأميرة الصربية "أوليفرا". وفي هذه المرة، قام السلطان "محمد الفاتح" بادعاء الحق نفسه، نظراً إلى زواج والده الأميرة "مارا". ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"؛ أعلن هذا الادعاء، باسم "مارا"، التي لجأت، مع أخويها الأعميين "جريجوار" و"ستيفن"، إلى السلطان "محمد الفاتح". وبناءً على ذلك، وعد السلطان "محمد الفاتح" بالدفاع عن حقوق زوجة والده.

ومن جهة أخرى، فإن الصربيين، لم يتحملوا تخلي "ألني" عن حقوقها في حكم "صربيا"، للراهب الكاثوليكي. بل يذكر أن الأسر الصربية العريقة، رجحت الحكم التركي لـ"صربيا"، بدلاً من الحكم الكاثوليكي. ومن الطبيعي أن يكون هناك تأثير واضح من حماية السلطان "محمد الفاتح" للنصرانية الشرقية، واستقلال الكنيسة الأرثوذكسية،في هذه المسألة. وبناءً على ذلك، فإن الأرثوذكس الصرب، انتخبوا "ميهالي آبوجوفيج"، أخا الوزير الأعظم، "محمود باشا"، لتولي إمارة "صربيا". وكان سبب هذا الانتخاب، هو كون والدة "محمود باشا" صربية أو كرواتية، على الرغم من أن والده كان من الروم. وعلى الرغم مما جرى، فإن الملكة الصربية، "ألني"، قد استقبلت "آبوجوفيج" في احتفال رسمي. وبعد أن دخل إلى الداخل، قامت بأسره وإرساله إلى "المجر"، على الفور، وبقيت هي في "سمندرة". وهذا يعني أن مسألة وراثة حكم "صربيا"، قد دخلت مرحلة حرجة. وهذا الأمر أدى قيام السلطان "محمد الفاتح" بالحملة الرابعة على "صربيا".

 

861هـ/1457م

هزيمة "مات"، في "ألبانيا"

لقد استمرت مقاومة المتمرد الألباني "إسكندر بك"، ضد القوات العثمانية، منذ جلوس السلطان "محمد الفاتح". ولقد استفاد المتمردون من وضع الأراضي الجبلية، وحرب العصابات. ومع ذلك، فقد جرت بعض المعارك الكبيرة. وعلى سبيل المثال، تعرض "إسكندر بك"، في عام 860هـ/1456م، لانهزام كبير، راح ضحيته خمسة آلاف من مقاتليه؛ وانتقل بعض رجاله إلى جانب القوات التركية. ونظراً إلى وجود ابن لـ"إسكندر بك"، فقد انقطعت آمال ابن أخيه، "حمزة بك" من الإرث؛ فلجأ إلى السلطان "محمد الفاتح". وحملته على "ألبانيا"، في هذه المرة، بدأت بناءً على ذلك الالتجاء. ويبدو أن السلطان "محمداً الفاتح"، أراد أن يستفيد من "حمزة بك". وعلى الرغم من أنه ساق قوة مهمة إلى "ألبانيا"، بوجود "حمزة بك" تحت قيادة "علي بك بن أفرنوس"، فإن الأتراك تعرضوا لهزيمة في المعركة، التي وقعت في سهل "آلبولنا"، بجوار نهر "ماتي"، الذي سماه الأتراك بـ"مات"، في يوم الأربعاء، 17 شوال، الموافق لـ 7 سبتمبر، حيث وصلت قوات المساندة من ملك "نابولي"، "آلفونسو الخامس"، إلى "إسكندر بك"، الذي تغلب على القوات العثمانية، وأسر ابن أخيه، "حمزة بك"، الذي خانه. ويذكر أن "إسكندر بك" أرسل "حمزة بك" إلى "نابولي"؛ أو أنه عفا عنه. ويبدو، أنه لم يقتله. ويذكر بعض المصادر، أن هذه المعركة وقعت في "آليسي/لش". وهناك رواية تفيد أن "إسحاق بك"، كان قائداً للقوات العثمانية.

استيلاء الأسطول البابوي على جزيرتي "ليمني" و"تاشوز"

إن البابا "كالكتوس الثالث"، الذي لم يعترف بإحياء البطريركية الأرثوذكسية، التي جعلها السلطان "محمد الفاتح" مستقلة، بعد أن قضى على وحدة الكنائس، الشرقية والغربية، التي تحققت قبل فتح "إستانبول" عين ابن أخيه، الكاردينال "لوديفيكو" على البطريركية الشرقية، وأرسله، بالأسطول، إلى بحر "الخزر". وهذا الأسطول البابوي، الذي توجه، أولاً، إلى "رودس"، أخذ منها قوات المساندة، ثم أنزل الجنود في جزيرة "ليمني". وبعد أن تم أسر مائة إنكشاري، كانوا موجودين في الجزيرة، استولى على قلعة "تاشوز"، التي كان يدافع عنها ستون محافظاً.

وعلى الرغم من إرسال أسطول مكون من عشر سفن، للاستيلاء على جزيرة "إمروز"، في تلك الفترة، فإن المؤرخ البيزنطي، "كريتوفولس"، الذي كان يحكم الجزيرة باسم الحكومة العثمانية، أرسل بعض الهدايا إلى قائد الأسطول، مع خطابات؛ واستطاع بذلك دفع الأخطار عن جزيرة "ليمني"، من الاستيلاء اللاتيني عليها. ولقد استعاد الأتراك هاتين الجزيرتين، بعد فترة من الوقت. وقد انتقلت هاتان الجزيرتان بين العثمانيين والبنادقة، بدءاً من الحرب، التي نشبت بين الطرفين، في عام 867هـ/1463م.

 

862هـ/1458م

حملة "المورة"

خرج السلطان "محمد الفاتح" في حملة "المورة"، في يوم الإثنين، الأول من رجب، الموافق لـ15 مايو. وساق، في الوقت نفسه، الوزير الأعظم، "محمود باشا" إلى "صربيا".

لقد بقيت، من الإمبراطورية البيزنطية القديمة، بقيّتان؛ إحداهما في أوروبا، والثانية في آسيا. فإمارة "المورة" في أوروبا، كانت بيد أسرة بالأولوغوس. أما إمبراطورية "طرابزون" في آسيا، فكانت بيد أسرة "كومنينوس"، وكانت تنفث أيامها الأخيرة. وكان السلطان "محمد الفاتح"، الذي يريد القضاء على هذا الوضع غير العادي، بدأ، أولاً، من إمارة "المورة". وكان أخوَا الإمبراطور البيزنطي، "كونستانتينوس الحادي عشر": "ديميتريوس" و"توماس"، أميرين عليها. وكان مقر حكم "ديميتريوس" "ميسترا/إسبارطة"، ومركز "توماس" مدينة "باتراس". وكان هذان الأميران يدفعان الخراج إلى الدولة العثمانية. وكان هذان الأخوان ينازع أحدهما الآخر، من جهة، ويقوم الألبان، العاملون في خدمتهما، بالتمرد في وجههما، من جهة أخرى. وكان بعض الإقطاعيين المحليين، يستغلون ذلك الصراع الموجود بينهما، فيتخذون جبهة ضدهما، من جهة ثالثة. فبناءً على هذا الجو المحموم، راجعت كنيسة "المورة" الأرثوذكسية، السلطان "محمداً الفاتح"، وطلبت الاحتماء به. وبموجب هذه الحماية، أراد السلطان "محمد الفاتح" التدخل في شؤون "المورة". وبناءً على ذلك، دخل السلطان، على رأس قواته، إلى "المورة". فتم الاستيلاء على كل المناطق الشمالية من "المورة"، في شهر رمضان، الموافق لشهر يوليه. وتركت المناطق الجنوبية للأخوين، بعد فرض الخراج عليهما، على أساس أن الأميرين، يقومان بالإمارة تحت الحكم العثماني. إلا أن هذا الإيقاع الإجباري، كما سيتضح فيما يلي، لم يستمر إلا عدة أشهر.

فتوحات "صربيا"

في خضم أزمة وراثة "صربيا"، التي بدأت تطفو على السطح، في أحداث عام 860هـ/1456م، سار الوزير الأعظم، "محمود باشا" بجيش قوي؛ للحفاظ على حقوق الدولة العثمانية في المنطقة. وقد وصل، في فترة وجيزة، إلى نهر "طونا"، حيث تم الاستيلاء على "ريسافا" و"كوروجا" و"رودنيك" و"برانيكفاج/برانيجة" و"جولومباج"، التي سماها الأتراك "كوفرجنلك". ثم توجه بالحملة إلى داخل "المجر"، وضرب الحصار على عاصمة "صربيا"، قلعة "سمندرة". وبتلك الصورة، تم فتح "صربيا" بشكل قطعي، استناداً إلى حقوق الوراثة. والحقيقة، أنه بموجب هذا الفتح، تخلصت "صربيا" من الفوضى والأزمات، التي تسبب بنشوبها أدعياء الحكم، ولا سيما أنها تخلصت من الحكم القسري للكاثوليك اللاتين، الذي رفضه الأهالي الصرب.

ولقد هاجر عدد، لا يؤبه له، من المعارضين الصرب للحكم التركي، في أثناء عملية الاستيلاء الكبيرة تلك. وقد عدّ هؤلاء مستودعات بشرية للجيش النمساوي، الذي استفاد منهم على الدوام. ولقد أرسل، في نهاية هذه الحملة، العديد من الأسرى والغنائم القيمة، إلى السلطان "محمد الفاتح".

أما الوزير الأعظم، "محمود باشا"، فقد استمرت حملته على "صربيا" حتى العام المقبل، وانتهت بفتح قلعة "سمندرة".

إنشاء قلعة "يدي قولة" [الأبراج السبعة]

"يدي قلعة" [الأبراج السبعة]، هي القلعة الداخلية لـ"إستانبول"؛ وكانت المدن في القديم، تحوي بداخلها قلعة داخلية. وكان أتراك الأناضول يسمونها "آحمَدَك". ويخمّن أن تكون هذه الكلمة محرفة من تعبير "آجمدك"، التي تحمل المعنى نفسه باللهجة الجغاطائية التركية.

ولقد قام السلطان "محمد الفاتح"، بعد فتح "إستانبول"، بترميم أسوار "إستانبول"؛ وأضاف إلى الأبراج الثلاثة، التي كانت موجودة بالداخل، أربعة أبراج أخرى، فجعلها قلعة داخلية. ولذلك، تقرر أن يطلق عليها اسم "يدي قولة" [أي الأبراج السبعة].

ولقد تمت صيانة خزنة القصر، وأوراق الدولة، في العهد العثماني، في قلعة الأبراج السبعة. واتخذت القلعة، في الوقت نفسه، سجناً للمجرمين السياسيين.

وكان المجرمون السياسيون، حتى إنشاء قلعة الأبراج السبعة، يسجنون في قلعة "الروملي"؛ بل إن هناك العديد من الوثائق الصريحة، التي تشير إلى الاستمرار في هذا الوضع [أي اتخاذ قلعة "الروملي" سجناً]، حتى عهد السلطان "سليم الثاني".

وكان يتم إيقاف سفراء الدول المعلنة للحرب، في وجه الدولة العثمانية، حتى عهد "سليم الثالث"، في قلعة الأبراج السبعة.

فتح "أثينا"

لقد أخذت مدينة "أثينا"، التي كانت أكثر مراكز الحضارة اليونانية القديمة انتعاشاً، والتي تسمى، في المصادر العثمانية، بمدينة الحكماء، من الأمير الإيطالي، "فرانسو آجياأولي" وألحقت بالدولة العثمانية، بناءً على رغبة الشعب اليوناني. وبناءً على ذلك، فقد ذهب السلطان "محمد الفاتح" إلى زيارة "أثينا"، وزار المعابد اليونانية القديمة.

وكانت مدينة "أثينا"، قد تعرضت، خلال 254 سنة، من عام 600هـ/1204م، لحكم الكاثوليك الفرنسيين والأسر الإيطالية والقاتالانية، التي استخدمت الشعب اليوناني مثل الأسرى. ولذلك، فإن الأتراك الداخلين إلى اليونان، قد دخلوها، بعدّهم، منقذين للشعب اليوناني. ونقلوا إليها بذلك عدالة الإدارة العثمانية، التي يغتبط بها جميع الشعوب.

ولما استولى لاتين "أهل الصليب الرابع" على "إستانبول"، ونزعوا حكمها من الروم، ووزعوها فيما بينهم، عام 600هـ/1204م، أصبحت مدينة "أثينا"، في البداية، تحت حكم أسرة "لا روش"، ثم انتقلت إلى يد أسرة "برينه" الفرنسية، وباتت في حكم إمارة تحت النفوذ الفرنسي 107 سنوات، وذلك حتى عام 711هـ/1311م. وقد استولى عليها القاتالان، الذين بقوا في خدمة البيزنطيين فترة من الوقت، في هذا التاريخ، حيث انتقلت، بعد ذلك، إلى يد أسرة "آجياأولي" الإيطالية، من فلورانسا. وكانت هذه الأسرة الإيطالية، قبل عهد الأتراك، هي المسيطرة على إمارة "أثينا". ويذكر أن الأمير قبل الأخير على "أثينا"، في عهد السلطان "محمد الفاتح"، "رينر"، لما مات ترك وريثاً صغيراً له، مع أرملته. ولهذه الأميرة قصة غرام، وصلت إلى درجة أن أهالي "أثينا" أنسوا بالعدالة العثمانية، مقابل ذلك الوضع السيئ. ويروى أن هذه المرأة، كانت قد ابتليت بغرام شاب، من أسرة بندقية عريقة. وهذا الشاب، في تلك الفترة، كان والياً على مستعمرة "المورة" الشرقية لـ"البندقية" "نابولي دو رومانيا"، التي كان الأتراك يسمونها بـ"الأناضول". وقد أرسلت الأميرة الأرملة إلى "أثينا" عرضاً على ذلك الوالي، عرضت فيه نفسها وإمارة "المورة" عليه. غير أنها طلبت منه، شرطاً للزواج، أن يقتل زوجته البندقية، ليبقى حراً. ولقد راجع أهالي "أثينا" السلطان "محمداً الفاتح" مشتكين هذا الوالي، الذي استولى على "أثينا"، بعد قتل زوجته. إلا أن الوالي، الذي خاف من عاقبة الأمر، أخذ الابن الصغير للأرملة، ولجأ إلى السلطان "محمد الفاتح". إلا أنه لم يستطع سوى إنقاذ نفسه، حيث منح السلطان إمارة "أثينا" لابن أخي الأمير الأخير، "رينر"، "فرانسو آجياأولي" الذي كان موجوداً لديه. فهذا هو الأمير الأخير على "أثينا" من تلك الأسرة. إلا أن "فرانسو" هذا، لما تمكن من حكم "أثينا"، بدعم من السلطان "محمد الفاتح"، كان أول عمل قام به، هو قتل الأرملة المذكورة، زوجة أخيه، فقام، بناءً على ذلك، زوجها الثاني، الوالي البندقي، برفع شكوى ضده إلى السلطان "محمد الفاتح". والحقيقة، أنه بالنظر إلى كون أهالي "أثينا"، قد ذاقوا الأمرين وانزعجوا كثيراً من تلك الأسرة الإيطالية الحاكمة، والجرائم، التي ترتكبها، بين الفينة والأخرى، كلف السلطان "محمد الفاتح" أمير "المورة"، "عمر بك بن طورخان"، بالاستيلاء على هذه المدينة التاريخية. فسمح الأخير لـ"فرانسو آجياأولي" بالخروج من المدينة، مع خزائنه وأمواله. وبناءً على ذلك، فتحت مدينة "أثينا" من دون إسالة للدماء.

وبموجب المصادر العثمانية، فإن مدينة "أثينا" فتحت، أول مرة، قبل واحد وستين عاماً، في عهد "يلدرم بايزيد".

وبناءً على ذلك، فقد بقيت مدينة "أثينا" في الحكم العثماني، 371 سنة، من عام 862هـ/1458م، حتى استقلال اليونان، في عام 1245هـ/1829م.


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad