إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو: دخول السلطان "محمد الفاتح" إلى "إستانبول"

على الرغم من إشارة بعض المصادر، إلى أن دخول السلطان "محمد الفاتح" إلى "إستانبول"، كان في يوم الأربعاء، 21 جمادى الأولى، الموافق لـ 30 مايو، أي بعد الفتح بيوم واحد، فإن المؤرخ "دورسون بك"، الذي كان بمعية السلطان "محمد الفاتح"، ذكر أن الدخول إلى "إستانبول"، كان يوم الفتح. ولذلك، فقد تم الاعتماد على ما ذكره، ولا سيما أنه يتوافق مع ما ورد في المصادر البيزنطية. وهناك مختلف الروايات، التي تفيد أن السلطان "محمداً الفاتح"، دخلها في وقت الظهر أو العصر.

وعلى الرغم من وجود روايات، تفيد أن السلطان "محمداً الفاتح"، دخلها من باب "أدرنة قابي"، أو من باب "طوب قابي"، فإن الرواية الثانية أقوى من الأولى.

وهناك اختلاف كذلك بين المؤرخين، حول دخول السلطان "محمد الفاتح"، أولاً، إلى جامع "آيا صوفيا"، أو قصر الإمبراطور. إلا أنه، بناءً على ما ذكره "دورسون بك"، الذي كان بمعيته، فقد ذهب، أولاً، إلى "آيا صوفيا".

ويروى أن السلطان "محمداً الفاتح"، لما دخل إلى المدينة، استقبلته الجموع الكثيرة بالتصفيق والترحيب؛ وأنه كان ينظر إلى الشوارع والمنازل والقصور، ويتأثر كثيراً بخراب المدينة، وهو في طريقه إلى "آيا صوفيا". وفي فترة إقامته الأولى في "إستانبول"، والتي استمرت عشرين يوماً، أقام السلطان "محمد الفاتح" في قصر "فلاكرنة"، حسب تسمية البيزنطيين، أو "بلاشرنس"، حسب تسمية الأوروبيين. وهذا هو القصر، الذي أقام فيه الإمبراطور الأخير لبيزنطة، "كونستانتينوس"، في أثناء حصار "إستانبول".

الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو: تحويل كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجد جامع

تعد كاتدرائية "آيا صوفيا/سن صوفيا"، أثراً معمارياً رائعاً لبيزنطة. وهذه الكنيسة الرائعة في البناء، قد بنيت في عهد "جوستنين"، خلال خمس سنوات، من عام 532م، وحتى عام 537م. وبما أنها فتحت للناس، في احتفال كبير، في يوم نوئيل، 25 ديسمبر 537م، وحتى يوم تحويله إلى مسجد، على يدي السلطان "محمد الفاتح"، في يوم الثلاثاء، 20 جمادى الأولى 857هـ، الموافق لـ 29 مايو 1453م، فقد مر عليها 915 سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام.

وبما أن الكنيسة الصغيرة، التي كانت في محل "آيا صوفيا"، قد احترقت في عهد "جوستنين"، في أثناء حركة تمرد، في عام 532م، والتي كانت تحمل الاسم نفسه، فقد بنى الإمبراطور هذه الكنيسة الحالية. ولقد تم جلب أقدم القطع الأثرية وأجملها، من كل الولايات، كما تم في بنائها استخدام أجمل أنواع الرخام الملون. واستخدم في البناء عشرة آلاف عامل؛ وصرفت عليها خزائن أسطورية. بل إن هناك العديد من الأساطير، التي شكلت قصصاً شعبية، في الذهب، الذي صرف في بنائها؛ والمخطط، الذي وضعته لها الكنيسة، بأنها نزلت من السماء. والحقيقة، أن "جستنين"، قد حول أمر بنائها إلى معماريين من الأناضول، هما: "آنتيميوس" و"إسيدورة". فالأول من مدينة "آيدين"، والثاني من مدينة "ملت". وهذان المعماريان، هما اللذان قاما بالتخطيط لـ"آيا صوفيا"، من جهة؛ والإشراف على مراحل الإنشاء، من جهة ثانية.

وأبرز خاصية لـ"آيا صوفيا"، تتمثل في القبة الوسطى، التي قطرها واحد وثلاثون متراً، وارتفاعها 50 متراً. إلا أن القبة الأولى، قد هدمت في عهد "جستنين"، وبنيت من جديد. ولما دخل الإمبراطور "جستنين" إلى الكنيسة، في أثناء افتتاحها الرسمي، في الحفلة الكبيرة، التي أقيمت بهذه المناسبة، وقع في حيرة من الأمر، من عظمة البناء. وتفيد إحدى الروايات، أنه تذكر معبد "سليمان" ـ عليه السلام ـ، وقال: أيْ "سليمان"، لقد تغلبت حتى عليك.

وعلى الرغم من ذلك الجمال والتشييد، فقد تغلبت الآثار العمرانية التركية، فيما بعد، على "آيا صوفيا".

ولما دخل السلطان "محمد الفاتح" إلى "آيا صوفيا"، وجد أنها قد تعرضت لخراب كبير، مع مرور الأيام وتقلب الأزمان. ولذلك، فقد أحيت الإدارة التركية لـ"آيا صوفيا" نشوتها من جديد، بعد تحويلها إلى مسجد جامع.

وقد ذكر المؤرخ "دورسون بك"، الذي كان مرافقاً للسلطان "محمد الفاتح"، في أثناء دخوله إلى "آيا صوفيا"، أن السلطان، بعد أن رأى الدور الأرضي، صعد إلى الدور العلوي، فأبلغ تأثره بالحالة البائسة، التي تعرضت لها "آيا صوفيا"، قائلاً: إن هذا المبنى، قد تعرض للهدم والتدمير، بسبب التوابع واللواحق. وتأثرت بما رأيت فيه من وضع سيئ، فتذكرت قول الشاعر:

برددار ميكونت در تاك كثرا عنكبوت

يوم نوبت مي زندي در قلعة أفرسياب

ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"، لما دخل إلى كنيسة "آيا صوفيا"، خر لله تعالى ساجداً، ثم صلى ركعتين؛ ورفع، بعد ذلك، أول أذان فيها. فكاتدرائية "آيا صوفيا"، إذاً، قد تحولت، بعد تلك اللحظة، إلى مسجد، وأنقذت بذلك من الهدم المؤكد.

هناك تقليد عثماني قديم، في عهد القوة والاستيلاء، كان يتم اتباعه في فتح أي قلعة أو مدينة؛ فبعد أن يدخل الجيش إلى الداخل، ويتم رفع العلم العثماني، يرتفع صوت المؤذن على الأسوار بالأذان. وبعد أن يتم تحويل أكبر كنيسة إلى مسجد، يصلى فيه أول صلاة جمعة. وبناءً على ذلك التقليد، التاريخي والوطني، فإن تحويل كنيسة إلى مسجد، يعني أنه تمثال للنصر، يمثل الفتح التركي عصوراً عديدة وأزمنة مديدة. وكنيسة "آيا صوفيا"، التي احتفظت باسمها، بعد تحويلها إلى مسجد، بعد الفتح، تعد أكبر آثار فتح "إستانبول".

ولقد اكتمل أمر التنظيم الداخلي لـ"آياصوفيا" بعد تحويلها إلى مسجد، بأمر من السلطان "محمد الفاتح"، في ثلاثة أيام.

الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو: اتخاذ "إستانبول" عاصمة للدولة العثمانية

تذكر المصادر العثمانية، أن السلطان "محمداً الفاتح"، أصدر أمره باتخاذ "إستانبول" عاصمة للخلافة، على الفور. وعلى الرغم من ذلك، فقد استمر وضع "أدرنة" مركزاً للدولة العثمانية، إلى حين الانتهاء من تشييد القصور. وقد أقام السلطان "محمد الفاتح" في قصر "تكفور" عشرين يوماً، ثم عاد إلى "أدرنة". وعلى الرغم من ذلك، وبعد الانتهاء من تشييد قصور "إستانبول"، فقد احتفظت مدينة "أدرنة" بالأهمية السياسية، فترة طويلة. كما أن مدينة "بورصا"، كانت مركزاً تاريخياً لأسرة آل عثمان، في جهة الأناضول. وهناك رواية أيضاً، تذكر أن اتخاذ "إستانبول" عاصمة للدولة العثمانية، بشكل نهائي، قد تم في عام 861هـ/1457م.

الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ29 مايو: استسلام الجالية الجنوية في "غلطة"

يوجد في التاريخ البيزنطي عهد للإمبراطورية اللاتينية. فلقد استولى الصليبيون على "إستانبول"، في يوم الإثنين، 9 شعبان 600هـ، الموافق لـ 12 أبريل 1204م، فأنشأوا فيها الإمبراطورية الكاثوليكية اللاتينية، بدلاً من الإمبراطورية الرومية الأرثوذكسية. وبدءاً من هذا التاريخ، وحتى تاريخ استرداد الروم لـ"إستانبول"، في يوم الإثنين، 25 شعبان 659هـ، الموافق لـ 25 يوليه 1261م، فقد بقيت "إستانبول" في حوزة الكاثوليك 57 سنة وثلاثة أشهر وثلاثة عشر يوماً. وفي خلال هذه المدة، نقلت الإمبراطورية الرومية إلى مدينة "إزنيق". وتعاقب على الإمبراطورية خمسة أباطرة روم، حتى استرداد "إستانبول" في 25 شعبان 659هـ، الموافق لـ25 يوليه 1261م. والذي قام باستردادها من اللاتين، هو خامس الأباطرة الخمسة، "ميخائيل بالأولوغوس الثامن". وكما استفاد هذا الإمبراطور من الصراع، الذي كان موجوداً بين الجنويين والبنادقة، في استرداد "إستانبول"، فقد استند إلى الجنويين، بعد أن استردها، لتقوية حكمه. وبذلك، نجح في إبعاد بذور التفرقة بين اللاتين أنفسهم، في سياستهم الرامية إلى استرداد "إستانبول". ونتيجة لتلك السياسة، التي استمر فيها الإمبراطور "ميخائيل الثامن"، منح، في عام 1267م، "غلطة" للجنويين، ببعض الامتيازات. والحقيقة، أن البنادقة والجنويين، كانوا موجودين في "غلطة" منذ عهد الإمبراطورية اللاتينية. وبناءً على ذلك، فإن الجالية اللاتينية في "غلطة"، كانت بقايا الإمبراطورية اللاتينية، في القرن الثالث عشر الميلادي، التي استمرت فيها حتى القرن الخامس عشر الميلادي. ولقد استمرت الإدارة الجنوية على "غلطة" مائة وستاً وثمانين سنة، من عام 1267م، حتى عام 1453م. غير أن الامتيازات، التجارية والعسكرية والمالية لـ"غلطة"، خلال ما يقرب من القرنين المذكورين، قد ازدادت بشكل تدريجي، متناسب مع الانحطاط البيزنطي. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن "غلطة"، في العهد الأول، لم تكن مستحكمة؛ وبناءً على هجوم، قام به البنادقة على الجنويين، في بدايات القرن الرابع عشر الميلادي، فقد أذن الإمبراطور البيزنطي، "آندرونيكوس الثاني"، في إنشاء سور وخندق لاستحكامات "غلطة". ولقد ازدادت الامتيازات، الاقتصادية والإدارية، للجالية الجنوية في "غلطة"، في عهد "آندرونيكوس الثالث"، على وجه الخصوص، وأصبحت كأنها دولة مستقلة. وهذا الوضع قد أدى، مع مرور الأيام، نشوب بعض التوترات، في العلاقات بين أروام "إستانبول" وجنويي "غلطة"؛ بل لقد نشبت معركة، بين "غلطة" و"إستانبول"، في عهد "كونتاكوزينوس السادس"، تمخضت بإلحاق الجنويين بعض التلال، في جهة "بي أغلو" بـ"غلطة". ولقد امتدت الأراضي الجنوية إلى سواحل البوسفور، مع مرور الأيام؛ حتى إن السلطان "محمداً الفاتح"، لما كان يبني قلعة "الروملي"، وبناءً على إحدى الروايات، فإن الإمبراطور البيزنطي الأخير، "كوستانتينوس الحادي عشر" قد أرسل إلى السلطان "محمد الفاتح"، يخبره أن تلك المنطقة، ليست لبيزنطة؛ وإنما تتبع للجالية اللاتينية في "غلطة". وكما يتضح من هذا الوضع، فإن هناك حكومتين نصرانيتين، في وجه السلطان "محمد الفاتح"، في أثناء فتح "إستانبول". إحداهما، الإمبراطورية الرومية، في "إستانبول"؛ والثانية، الحكومة الجنوية، في "غلطة". إلا أن هذه الجالية اللاتينية، ليست مستقلة تمام الاستقلال. فهي تتبع، من الناحية السياسية، لجمهورية "جنوى" الإيطالية، ويتم التصديق على تعيين أمير على "غلطة"، لمدة سنة، من لدن الجمهورية. ولها إضافة إلى ذلك، مجلس بلدي ومحكمة تجارية. ونصف أعضاء مجلس البلدية، الأربعة والعشرين، كانوا من الأسر العريقة؛ ويتم انتخاب النصف الآخر من الشعب. أما المحكمة التجارية، فتتركب من ستة أعضاء. وتنحصر علاقة إمبراطورية "إستانبول" بـ"غلطة"، في بعض الضرائب البسيطة. وبموجب بعض المصادر البيزنطية، وعلى الرغم من أن واردات جمارك "غلطة"، في السنة، كانت في حدود مائتي ألف ذهباً، فإن المدفوع منها إلى بيزنطة، في السنة، كان ثلاثين ألفاً ذهباً.

وعلى الرغم من تعهد أهل "غلطة" بعدم الانحياز إلى أحد الطرفين، في حصار "إستانبول"، فإنهم، في الحقيقة، قدموا مساعدات عسكرية إلى البيزنطيين، وقبلوا لجوء لاتين "إستانبول" وأروامها إلى "غلطة". كما أن العديد من جنويي "غلطة"، التجأوا إلى السفن اللاتينية، في الخليج، واستفادوا من نزول أفراد الأسطول التركي إلى البر، ففروا هاربين إلى البحر الأبيض. وهذه الأمور كلها تدل على اختلال معاهدة عدم الانحياز. ونظراً إلى عدم رغبة السلطان "محمد الفاتح"، في تأليب الرأي الأوروبي عليه، في هجرة أولئك، على الرغم من عدم ارتياحه إلى ذلك الخرق، فإنه منح جنويي "غلطة"، الذين قدموا له خضوعهم، في يوم فتح "إستانبول" - مدة ثلاثة أشهر، لعودة أولئك المهاجرين إلى "غلطة"، مع منحهم الضمانات اللازمة لصون أموالهم وأرواحهم.

وبما أن خضوع المرخصين، المرسلين من لدن "بودستان"، إلى السلطان "محمد الفاتح"، وطلبهم معرفة طبيعة القيود، التي تفرض عليهم ـ صادف يوم الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق ليوم 29 مايو، فإن السلطان "محمداً الفاتح"، الذي أهمل ذلك الطلب، لكثرة انشغاله، أو لعدم المبالاة بهم، قد اكتفى في رده عليهم، بمنع الهجرة. وبناءً على ذلك، فقد أصيب "بودستان" بالقلق من الوضع، واضطر إلى أن يقوم بمراجعة شخصية، في يوم الخميس، 22 جمادى الأولى، الموافق لـ 31 مايو. إلا أنه بالنظر إلى عدم إيفاء الجنويين بوعدهم بعدم الانحياز إلى أحد الطرفين، على الرغم من التعهد، الذي قدموه في هذا الصدد، في أثناء عملية حصار "إستانبول"، والذي كان يتطلب الإبقاء على وضعهم المستقل في "غلطة"؛ وبما أنهم قدموا مساعدات فعلية إلى بيزنطة، ولم يتقيدوا بالوعد؛ ولكون حفيد "بودستان آنجلو"، "إمبرياليس"، كان قد قبض عليه ضمن عساكر بيزنطة الأسرى؛ فقد ألغي حقهم في الاستقلال كلية، وقضى على كل حقوق جمهورية "جنوى" في "غلطة"، كما بلغ أيضاً، أن جنويي "غلطة"، إن لم يرجعوا، في غضون ثلاثة أشهر، فإنه سوف يتم الاستيلاء على أملاكهم. وبموجب المعاهدة، التي وقعها "زاغانوس باشا" في يوم الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه، فقد تقرر هدم بعض أبراج "غلطة"، وردم الخنادق، والتزامهم بدفع ضريبة منتظمة، في مقابل توفير الحرية، التجارية والدينية، لهم.

وبعد يوم أو يومين، من توقيع تلك المعاهدة، صدر مرسوم سلطاني، إلى أهالي "غلطة"، احتوى على الشروط الآتية: لقد تم قبول العرض، الذي تقدم به أهالي "غلطة" في التبعية العثمانية؛ وألحقت هذه البلدة بالأراضي العثمانية. ولا يمس أموال أهل "غلطة"، ولا أرواحهم بسوء. ولهم الحرية الكاملة، في الدين والتجارة. إلا أنه ليس لهم أي امتياز في المسائل الضريبية أو الجمركية، وأنهم يتبعون الأسس نفسها المطبقة في كل أنحاء الدولة العثمانية. ومع عدم التعرض لكنائسهم الموجودة، ليس لهم الحق في بناء الكنائس الجديدة. ولا يؤخذ من أهالي "غلطة" أولاد الدفشرمة، للتنظيم الإنكشاري. ولهم الحق في انتخاب رئيس للأمور البلدية. وبموجب هذا المرسوم، الصادر في أواخر جمادى الأولى عام 857هـ، الذي يلزم أن يكون موافقاً للأيام الأولى من شهر يونيه عام 1453م، لم يبق أي علاقة لجمهورية "جنوى" بـ"غلطة"؛ بل إنه قد رفعت كل الامتيازات، التي منحها لهم البيزنطيون. وأصبحت "غلطة" في حكم أراضٍ تركية مباشرة. وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن مشكلة تابعة للعهد البيزنطي، قد تمت تسويتها.

وبناءً على ذلك المرسوم، فقد منع من ممارسة الشعائر الكنسية. وهذا المنع عمم على كل الكنائس، حتى عهد التنظيمات (أواسط القرن التاسع عشر الميلادي)، إلا أن المرسوم، ألغي في عهد التنظيمات.

الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه: أداء أول صلاة جمعة في جامع "آيا صوفيا"

لقد خرج السلطان "محمد الفاتح"، أول مرة، منذ فتح "إستانبول" قبل ثلاثة أيام، إلى الجامع، الذي كان قبل ثلاثة أيام كنيسة، في موكب رسمي حافل، وأدى صلاة الجمعة فيه، مع أفراد جيشه. وكان الإمام الشخصية المعنوية لفتح "إستانبول"، "آق شمس الدين"، الذي ألقى خطبة الجمعة، باسم السلطان "محمد الفاتح"، لأول مرة.

ولقد تمت إزالة الرسوم، الموجودة على جدران "آيا صوفيا"، والهياكل والأصنام، بأمر من السلطان "محمد الفاتح"، قبل يوم الجمعة. وبني المحراب في جهة القبلة، ووضع فيه المنبر. ويذكر أن المعماريين والمعلمين، قد عملوا بشكل متواصل، ليل نهار؛ لاستكمال كل تلك الأمور، قبل يوم الجمعة.

وهناك رواية، تفيد أن السلطان "محمداً الفاتح"، هو الذي ألقى الخطبة؛ وأن "آق شمس الدين" صلى بهم صلاة الجمعة. وبناءً على رواية أخرى أيضاً، فقد اكتفى السلطان "محمد الفاتح" بإلقاء كلمة على جنده، يوم تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد. والحقيقة، أن كل هذه الروايات، ينبغي التحقق منها بشكل منفصل.

الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه: تفتيت السلطان "محمد الفاتح" للوحدة الأرثوذكسية – الكاثوليكية؛ وحمايته للنصرانية الشرقية، في مواجهة النصرانية الغربية؛ وتعيينه لبطريرك رومي جديد

على الرغم من اتفاق الروايات، على أن البطريرك الجديد، قد عين في هذا التاريخ، فإن التصريحات الواردة في بعض المصادر البيزنطية، تفيد أن البطريرك الجديد، قد تم تعيينه بعد التاريخ المذكور بسبعة أشهر، أي في نهايات شهر ذي الحجة، الموافق لشهر ديسمبر من هذه السنة. ولذلك، فالاحتمال القوي، هو تقرير تأسيس البطريركية الرومية، في هذا التاريخ (أي في 23 جمادى الأولى)، ثم تعيين البطريرك عليها، بعد فترة من الوقت. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرواية التقليدية، أيضاً، تستند إلى المصادر البيزنطية؛ ولذلك، اتخذ التاريخ المذكور، مع الاحتياط.

كان في فترة العهد البيزنطي، تيار قوي، يعمل على توحيد الكنائس، الكاثوليكية والأرثوذكسية، ورفع الخلافات المذهبية بينهما؛ بغية توفير المساعدات اللازمة من أوروبا ضد الدولة العثمانية. وتيار آخر، معارض للأول، مستند إلى التعصب الموجود لدى طبقات الشعب، بوجه خاص. وكان يعمل على الاحتفاظ باستقلالية الكنيسة البيزنطية. وكان الممثل لفكرة الوحدة، في الأيام الأخيرة للإمبراطورية البيزنطية، هو الإمبراطور "كونستانتينوس الحادي عشر"، والبطريرك الأخير، "جريجوريوس ماماس". وفي الجهة المقابلة لهما، أي أصحاب التيار الاستقلالي للكنيسة البيزنطية، النائب الأول للإمبراطور، "لوكاس نورتاراس"، وأقوى رجال الكنيسة الأرثوذكسية، "جاناديوس شولاريوس"؛ بل لقد روي عن "نوتاراس"، أنه قال بترجيحه للعمامة التركية على رؤية قلنسوة الكاردينال في "إستانبول". وأنه بناءً على ذلك، كان يقوم "شولاريوس" بتخريب الأوضاع. وفي مقابل ذلك، كان الإمبراطور قد اتفق مع مقام البابوية، وأعلن "إيسيدورة" المرسل، من لدن البابا، في يوم الثلاثاء، 30 ذي القعدة 856هـ، الموافق لـ 12 ديسمبر 1452م، بتوحيد المذهبين، في احتفال كبير، أقيم في "آيا صوفيا". وبناءً على هذا الوضع، فقد أزيل الخلاف الأرثوذكسي ـ الكاثوليكي، في أثناء عملية حصار "إستانبول"؛ وكانت الكنيسة الشرقية، قد دخلت تحت هيمنة الكنيسة الغربية. والحقيقة، أن هذا الوضع، كان مخالفاً تماماً لميول أروام "إستانبول" الدينية، من جهة؛ ومبايناً للسياسة الخارجية التركية، التي خلفت بيزنطة، من جهة ثانية. وجلوس "جناديوس شكولاريوس"، المعروف بعداوته لفكرة الوحدة الأرثوذكسية ـ الكاثوليكية، على مقام البطريركية، بأبهة وفخامة، في يوم الجمعة نفسه، الذي صلى فيه السلطان "محمد الفاتح" في جامع "آيا صوفيا"، أو بعدها بفترة ـ كان بسبب ذلك، أي مخالفته للسياسة الخارجية التركية. وهذا يعني، أن الكنيسة الأرثوذكسية، قد انفصلت، للمرة الثانية، عن الكنيسة الكاثوليكية، وأصبحت مستقلة، كما كانت في السابق؛ كما باتت النصرانية الشرقية، من حيث النتيجة، مواجهة للنصرانية الغربية، تحت الحماية التركية. ويبدو، أن السلطان "محمداً الفاتح"، قد فصل العالم النصراني إلى شطرين؛ وفصل بذلك الرعايا الأرثوذكس عن نفوذ روما. والحقيقة، أن هذا التدبير، الذي اتخذه السلطان "محمد الفاتح"، كان ذا أهمية كبيرة، ولا سيما في فتوحات البلقان، التي ستجري فيما بعد. فهذه هي الأسباب السياسية للامتيازات الممنوحة للبطريركية. وهذا التدبير، في الوقت نفسه، كان قد أدى توفير ميل الروم البيزنطيين إلى الإدارة التركية، بل أدى عودة بعض الأسر، التي سبق أن هاجرت إلى أوروبا.

لقد انتخب مجلس البطريركية "جناديوس" بطريركاً. وجرى الانتخاب بموجب الأصول المتبعة فيها. وصدق السلطان "محمد الفاتح" على ذلك الانتخاب. أما اسم "شكولاريوس"، الذي انتخب باسم "جنوديوس" الأصلي، فهو "يورغيوس كورتسيس". ولقد قبل، بحضور السلطان، بالمراسم التي كانت تجرى لأمثاله في العهد البيزنطي. وتفيد إحدى الروايات، أن السلطان "محمداً الفاتح" أهداه عصا مرصعة، واستقبله بحفاوة وإكرام. ويذكر أن هذا البطريرك الجديد، عدّ، في المراسم العثمانية، بمستوى الوزراء، وأنه أعطي سرية من الإنكشارية، لمرافقته. وهناك رواية، تشير إلى أن السلطان "محمداً الفاتح"، قام بزيارة "جنوديوس"، في مقامه. وكان من أهم الامتيازات، التي منحت للبطريركية، إعفاؤها من الضرائب والخراج.

وعلى الرغم من توجيه الانتقادات، فيما بعد، إلى السلطان "محمد الفاتح"، في هذه الامتيازات، التي منحها للكنيسة الرومية، فإن العديد من المؤلفين الغربيين، يذكرون أن تلك الامتيازات، كانت ضرورة سياسية لذلك العهد؛ وأن السلطان "محمداً الفاتح"، كان ذا بصيرة ثاقبة، بمنح تلك الامتيازات. والميل الصربي نحو العثمانيين، مع مرور الأيام، ضد "المجر"، قد بين مدى إصابة السلطان "محمد الفاتح" في سياسته تلك.

وهناك احتمال قيام "جنوديوس" بتقديم المساعدات إلى الأتراك، ضد أعدائهم الكاثوليك. فعلى سبيل المثال، ذكر الشيخ "أبو السعود أفندي"، في مجموع فتاواه، ما يؤيد هذا الاحتمال، حيث ورد فيها:

"مسألة: هل قام السلطان "محمد الفاتح" – رحمه الله – بفتح "إستانبول" المحروسة، والقرى المجاورة لها، عنوة؟

الجواب: المعروف هو فتح العنوة. أما إبقاء الكنائس القديمة على حالها، فهذا يدل على فتحها بالصلح. ولقد بُحث هذا الموضوع في عام 945هـ. وسئل من شخصين: أحدهما، كان في 117 سنة من العمر؛ والثاني في 130 سنة من العمر، فأفادا أن بعض النصارى، كانوا يساعدون، خفية، السلطان "محمداً الفاتح"، ولم يساعدوا "التكفور"، أي الإمبراطور البيزنطي. وبناءً على ذلك، فلم يسبهم السلطان "محمد الفاتح". وقد سجلا شهادتهما، بحضور المفتشين، على فتح "إستانبول" على تلك الشاكلة. ولذلك، أبقيت الكنائس على حالتها".

وبناءً على التوضيح الوارد في هذه الفتوى، فإن بعض الأروام، كان لهم اتصال سري بالسلطان "محمد الفاتح"، حيث تمكنوا من الإبقاء على كنائسهم؛ مكافأة لتلك الخدمة. والحقيقة، أن مسألة تجسسهم هذه، تحتاج إلى البحث والتدقيق. وإذا وجدت وثائق جديدة، فهناك نقاط مهمة، سوف تتضح من خلالها.

ولقد عين السلطان "محمد الفاتح" بطريركية جديدة، مثل تعيينه لبطريرك جديد. ونظراً إلى وجود البطريركية بجانب كنيسة "آيا صوفيا"، التي حولت إلى مسجد، بعد الفتح، فقد نقلت البطريركية من موقعها إلى كنيسة "الحواريين/سنت آبوترس". إلا أنه بناءً على تقرير إنشاء جامع السلطان "محمد الفاتح"، في محل هذه الكنيسة الثانية، التي كانت بها مقابر أباطرة بيزنطة، فقد نقلت البطريركية الرومية، بأمر من السلطان "محمد الفاتح"، في عام 859هـ/1455م، إلى دير الراهبات، الذي يسمى بـ "بانماكاريستوس". والبطريركية الثانية، في العهد العثماني، هي هذا الدير القديم، وأقام فيها بطاركة الروم 132 سنة. وبما أن دير "بانماكاريستوس" قد حول إلى جامع، باسم "فتحية"، في نهاية تلك المدة، التي وافقت عهد "مراد الثاني" في عام 995هـ/1587م، فقد نقلت البطريركية من هذا الموقع أيضاً، "فنار الخليج"، إلى مركزها الثالث، كنيسة "بانايا"، وبقيت فيها مدة عشر سنوات، أي حتى عام 1005هـ/1597م. ثم نقلت إلى مركزها الرابع، في كنيسة "آيا ديمتري"، وبقيت فيها ثلاث سنوات. وأخيراً، نقلت إلى المركز الخامس، في عام 1009هـ/1601م، إلى دير "آيا يوركي"، في "فنار". وما زالت البطريركية في هذا الموقع. وما زال بطاركة الأرثوذكس، منذ 346 سنة في هذا المكان الخامس. إلا أن هذه البطريركية الأخيرة، تعرضت للعديد من الحرائق، ورممت من جديد.

الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه: عزل الصدر الأعظم، "خليل باشا جاندارلي" وسجنه

على الرغم من إيراد الروايات ليوم الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو؛ وحتى السبت، 24 جمادى الأولى، الموافق لـ2 يونيه؛ فإن الرواية، التي اتخذت أساساً، هنا، هي الأقوى، والقائلة يوم الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه من هذه السنة. وبناءً على وفاة الوزير الأعظم، "إبراهيم باشا جاندارلي"، في يوم الخميس، 24 ذي القعدة 832هـ، الموافق لـ25 أغسطس 1429م، فقد تم تعيين ابنه، "خليل باشا جاندارلي"، في منصب أبيه، في هذا التاريخ. ولذلك، فقد عمل "خليل باشا" وزيراً أعظم للدولة العثمانية، في عهدي "مراد الأول" و"محمد الفاتح"، 23 سنة وتسعة أشهر وستة أيام. فهذا الوزير الأعظم المسن، قد عمل أكثر من عمر السلطان "الفاتح"، في ذلك الوقت، بأكثر من سنتين وسبعة أشهر ويومين. وعلى الرغم من ذلك، وكما اتضح من الأبحاث الأخيرة، فقد عمل في منصب الوزارة العظمى، بين الأب والابن، "قوجه محمد نظام الدين باشا "آماسيا"وي" مدة عشر سنوات. وبناءً على هذا الوضع، فقد استمرت مدة صدارة "خليل باشا" 13-14 سنة. ومن المؤكد أنه كان ذا خبرة كبيرة، ومحنكاً سياسياً، من الطراز الأول.

وهناك رواية، تفيد أن "خليل باشا"، تم توقيفه عن العمل، في بدايات شهر رجب، الموافق لشهر يوليه، في "أدرنة".

أما السبب الذي أدى سجن "خليل باشا"، فهناك العديد من الأسباب، التي تذكر في هذا الصدد؛ فبناءً على إحدى الروايات، هو محاولته رفع الحصار عن "إستانبول"، نظراً إلى حصوله على الرشى من الإمبراطور البيزنطي، وقيامه بدور الإفساد، في أثناء الحصار. ولا سيما لما تبين للسلطان "محمد الفاتح"، في أثناء توجيه السؤال إلى النائب الأول للإمبراطور، "لوكاس ناتاراس"، بعد فتح "إستانبول"، قيام "خليل باشا" بإرسال العديد من الرسائل إلى الإمبراطور البيزنطي، بالثبات في المقاومة، حيث أدى ذلك توقيف "خليل باشا". وبناءً على رواية أخرى، فإن السلطان "محمداً الفاتح"، لم ينس البغض، الذي كان يكنه لـ"خليل باشا"، بسبب إعادة السلطان "مراد الثاني" إلى الحكم، وإبعاد السلطان "محمد الفاتح" عنه؛ وأن السلطان "محمداً الفاتح" استغل الإشاعات، التي انتشرت ضده، فانتقم منه. والروايتان هما أهم الروايات الواردة في هذا الصدد. ويبدو أن مسألة "خليل باشا" من المسائل، التي لم تتضح تماماً، حتى الآن.

الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه: تعيين "محمود باشا" وزيراً أعظم، مكان "خليل باشا جاندارلي"

ويذكر أن تعيين "محمود باشا" في الوزارة العظمى، كان في 858هـ/1454م. وإذا كانت هذه الرواية صحيحة، فينبغي أن يكون السلطان "محمد الفاتح" قد أبقى على الوزارة العظمى شاغرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بناءً على إحدى الروايات البيزنطية، فإن "إسحاق باشا"، هو الذي عين، أولاً، في الوزارة العظمى. والحقيقة، أن المصادر العثمانية، تشير إلى أن صدارة "إسحاق باشا"، بدأت عام 874هـ/1469م. وبناءً على هذا الوضع، وعلى الرواية البيزنطية، إذا كانت صحيحة، فإن "إسحاق باشا"، قد عين بعد عزل "خليل باشا"، لأول مرة؛ بسنة، ثم عزل. وبما أن هذه الرواية مشكوك في صحتها، فقد اتخذت، هنا، الرواية الواردة في المصادر العثمانية.

وعزل "خليل باشا جاندارلي" من الوزارة العظمى، يعني بدء قيام فئات: "الدونمة" و"المتحولين" و"الدفشرمة"، بالعمل في الدولة العثمانية بشكل قطعي. ومن المؤكد أن بعضاً من "الدونمة" و"الدفشرمة" قد كانوا في القيادات العامة والوظائف الكبيرة، حتى هذا العهد. إلا أن المنصب الأعلى في الدولة، والذي يجمع الصلاحيات الكبرى، وهو منصب الوزارة العظمى، كان بيد أتراك الأناضول. وفي مقابل هذا المنصب، بدأ، مع تشكل تنظيم الإنكشارية، تشكل فئتي "الدونمة" و"الدفشرمة". وكما يتضح من جريان الأحداث، فقد جرى صراع سياسي كبير، بين الطبقة الأرستقراطية التركية الأناضولية، وفئة العبيد، من "الدونمة" و"الدفشرمة"، وازداد هذا مع مرور الأيام. والحقيقة، أن العامل الأساسي، في التنكيل بأسرة "آل جاندارلي"، ينبغي البحث عنه في هذا الوضع؛ لأن سلسلة الوزراء الأعاظم، في هذا العهد، الذين تعاقبوا على الحكم، بدءاً من "محمود"، و"روم محمد"، و"إسحاق" و"كديك أحمد باشا"، لم يكن أحد منهم من الأتراك، بل على العكس من ذلك، كلهم من "الدونمة" و"الدفشرمة".

والروايات مختلفة حول أصل "محمود باشا"، الذي خلف "خليل باشا جاندارلي"، والذي يلقب بلقب "ولي". فعلى سبيل المثال، تذكر إحدى الروايات، أنه "دونمة" (أي متحول) من الكروات. وتفيد رواية أخرى، أن والده روم، ووالدته كرواتية. وتذكر رواية ثالثة، أنه رومي خالص، من جهة الأب والأم. وبموجب رواية المؤرخ البيزنطي، "كريتوفولوس"، فإن "محمود باشا"، ينتسب، من جهة الأب والأم، إلى الأسر البيزنطية القديمة؛ وإنه من أحفاد "فلانتروبوليس"، المعروف بصراعه ضد الأتراك. ويبدو أنه لم يكن من الأتراك. ولقد بدأ تسلسل العناصر الأجنبية في العمل، في الدولة العثمانية، مع بدء "محمود باشا" بالوزارة العظمى. ومنذ هذا التاريخ، وحتى إلغاء منصب الوزارة العظمى، في الدولة العثمانية، وفي مقابل القليل من الأتراك، كان على منصب الوزارة العظمى بالدولة العثمانية الكثير من الروم، والكروات، والألبان، والبوشناق، والبوماق، والإيطاليين، والعرب، والأرمن، وغيرهم من القوميات. وكان من ضمن هؤلاء بعض الخونة، الذين اتضح أمرهم، منذ عهد السلطان "محمد الفاتح"؛ بل إن هؤلاء، لم يترددوا في الوقوف في مواجهة سياسية السلطان "محمد الفاتح"، الرامية إلى تتريك "إستانبول"، بمنحهم بعض المقاطعات فيها، وإعفائهم من الضرائب؛ وإنهم بذلوا ما وسعهم الجهد، لمنع تتريك "إستانبول". ويشرح "عاشق باشا زاده"، من أقدم المؤرخين العثمانيين، هذه المسألة، على هذا النحو:

"ما إن فتح السلطان "محمد الفاتح" "إستانبول"، حتى منح منصب سوباشي لعبده "سليمان باشا"، وأرسل عبيده لجميع الولايات، طالباً أن (اقدموا إلى [إستانبول] لنمنحكم المنازل والبساتين والحدائق والأملاك). ومن جاء منهم، فقد مُنحها، فعمروا البلد. ثم أمر السلطان، من جديد، بمنح المنازل، للأثرياء والفقراء، فحصلوا عليها، وقدموا المنازل لمن جاء منهم. فعمرت المدينة. وهذه المنازل، التي حصلوا عليها، أعطيت لهم بالمقاطعة. فكان ذلك أمراً صعباً على الناس. فقالوا:

ـ هل جلبتمونا إلى منازل، الكفار، هنا، من بلادنا، لتستردوها منا؟ فجمع بعضهم أولاده وأفراد أسرته، وهرب. وكان هناك وزير عاقل، يدعى "قولا شاهين"، قال للسلطان:

ـ سيدي السلطان، لقد فتح أجدادك العديد من البلاد. ولم يمنح أحد منهم [المنازل] بالمقاطعة. والأليق بكم ألا تفعلوها. فسمع السلطان كلامه، وأصدر أمره القائل:

ـ من تمنحون المنازل، فليكن ذلك بالتمليك [أي ليس بالمقاطعة]. ثم صدرت المراسيم السلطانية، ومنح الناس صكوك التمليك. فعمرت المدينة من جديد. وبدأ الناس بعمارة المساجد، وتحول وضع المدينة [أي "إستانبول"] من الحسن إلى الأحسن. ثم جاء إلى السلطان وزير، كان ولداً لأحد الكفار، وكان قريباً من السلطان، وكان كفار "إستانبول" أصحاب هذا الوزير، فدخلوا عليه:

ـ ماذا تفعل؟ إن الأتراك قد عمروا المدينة من جديد، أين جهودك أنت؟ فقد استولوا على بلاد أجدادك وعلى بلادنا. وبدأوا بالتصرف فيها على ملأ منا. وأنت، الآن، قريب من السلطان. فلتبذل جهدك لتمنعهم من هذا الإعمار، لتبقى المدينة بيدنا، كما كانت. فقال الوزير:

ـ من كان مقيماً، أولاً، في هذه المقاطعات، فلنمنحها لهم؛ حتى لا يقوم هؤلاء بالتعمير، وحتى تبقى المدينة خربة، لتبقى بيدنا في نهاية الأمر. وفي أحد الأيام استطاع النفاذ إلى قلب السلطان، فتحدث، للمرة الثانية، عن الإقطاع. فقام أحد الكفار المستخفين، وأحد المتسمين باسم إسلامي، فكتبا ذلك.

ـ سؤال: من كان ذلك الوزير؟

ـ الجواب: "روم محمد باشا". ولقد خنقه السلطان "محمد الفاتح"، فيما بعد، مثل الكلب.

وهناك العديد من المعلومات المفصلة، في المصادر العثمانية، حول الجرائم، التي ارتكبها كل أولئك "الدونمة" و"الدفشرمة" في حق الشعب التركي، في أثناء حملات الأناضول.

الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه: تعيين "سليمان بك قارشدران"، في ولاية "إستانبول"، وتعيين العالم الشهير، "جلال زاده خضر بك" في قضاء "إستانبول"

إن سليمان بك، الذي كان حائزاً منصب "سوباشي"، يعد أول محافظ، وأول والٍ على "إستانبول". فقد منح السلطان "محمد الفاتح" هذا السيد وظيفتين اثنتين: إحداهما، ترميم الأسوار؛ والثانية، جلب الأتراك، وأصحاب مختلف المهن، من كل أنحاء الأناضول إلى "إستانبول"، وإسكانهم فيها. ويذكر أنه جلب، أول مرة، خمسة آلاف أسرة. ثم استمرت سياسة الإسكان هذه، في مختلف التواريخ، فشملت سواحل البحر الأسود و"قره مان" و"بورصا" و"آقصراي" و"أغريدير" و"مغنيسيا" و"تيره" و"جارشانبا" و"قسطموني" و"سامسون" و"سيواس" و"إزمير"، وغيرها من الأماكن. حيث أدت هجرة الأسر التركية من تلك المدن إلى "إستانبول"، تتريك "إستانبول"، في مدة قصيرة؛ بل أطلقت أسماء البلدات التركية الأناضولية، على العديد من أحياء "إستانبول"؛ فعلى سبيل المثال، إطلاق أسماء "آقصراي" و"قره مان" و"جارشانبا" وغيرها من البلدات، على أحياء "إستانبول" الحالية، كان قد تم في تلك الفترة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تم جلب بعض الأسر من البلقان أيضاً، وإسكانها في "إستانبول"؛ إلا أن عددها ليس بالدرجة المهمة.

ولقد تم منح المنازل والدكاكين والبساتين والحدائق للأتراك المجلوبين إلى "إستانبول"؛ وأعفوا من الضرائب، من جنس "المقاطعة". وذلك حتى يرغب الأتراك في الإقامة بـ"إستانبول"، من جهة؛ وينتقل الاقتصاد إلى يدهم، من جهة ثانية.

ولقد كلف "سوباشي" "بورصا" "جبه علي"، وابن أخيه، "دورسون بك"، بتحرير دفاتر التمليك. وبموجب أقوى الروايات، فإن حي "جبالي"، بـ"إستانبول" نسبة إلى "جبه علي" هذا، الذي شارك في فتح "إستانبول"، ودخلها من الباب الموجود في ذلك الحي.

ونظراً إلى انشغالات "جبه علي" الكثيرة، في "بورصا"، فقد ترك أمر تحرير دفاتر التمليك، في "إستانبول" لابن أخيه، "دورسون بك"، أو "طور سيناء بك". فقام بهذه المهمة التاريخية المهمة، بتصويب من السلطان "محمد الفاتح"، خير قيام. وكان "دورسون بك" المرافق للسلطان "محمد الفاتح"، في أثناء عملية حصار "إستانبول"، والذي أصبح رئيس الدفترادار، أي وزيراً للمالية ـ يشتهر أيضاً بكتابه المسمى "تاريخ أبو الفتح"، الذي يتناول فيه تاريخ عهد السلطان "محمد الفاتح". وكان أهم خاصية لهذا التاريخ، الذي كتب بلغة فصيحة، كونه قد خرج من قلم مؤرخ تركي، شاهد أحداث فتح "إستانبول" بأم عينيه. ولقد نشر هذا الكتاب القيم مجمع التاريخ التركي، في عام 1330 [رومي، الموافق لـ1333هـ].

وكان "جلال زاده خضر بك"، أول قاض لـ"إستانبول"، هو أحد أشهر مؤرخي الدولة العثمانية وعلمائها الممتازين. وهو من "سفري حصار". ويذكر أنه من نسل "نصر الدين خوجه" [جحا الأتراك] الشهير. وهو ابن لقاضي "سفري حصار"، "الملا جلال الدين علي". وهو والد المنشىء الشهير بـ"التضرعات"، "سنان باشا".

ولقد عمل "خضر بك – جلبي" في "بورصا"، وفي بلده، قاضياً، ومدرساً في المدارس الشرعية. وكان له إسهام كبير في تنشئة العديد من المثقفين العثمانيين، أصحاب المناصب العالية. وله أشعار ظريفة، باللغات: العربية والتركية والفارسية. ويذكر أنه، في شبابه، كان يعمل في السلك العسكري. ولقد اشتهر "خضر بك"، في عهده، بأنه "منبع العلم". وكان، على قدر تفوقه في العلم، متفوقاً أيضاً بسجاياه الأخلاقية، وحرصه الشديد على تحقيق العدل. بل توجد هناك رواية" تفيد أنه، في إحدى المحاكمات، في فترة توليه قضاء "إستانبول"، قد حكم على السلطان "محمد الفاتح" نفسه، في إحدى القضايا.

وعلى الرغم من عزو بدء عادة استخدام حروف الجمل [الأبجد]، في الأدب العثماني، إلى هذا العالم، فإن هذه المسألة تحتاج إلى تدقيق مفصل.

وبعد أن استمد "خضر بك"، في قضاء "إستانبول"، ست سنوات، توفي في عام 863هـ/1458-1459م. وعين في محله، العالم الشهير، المماثل له" في ذلك العهد، "الملا خسرو"، في قضاء "إستانبول".

ويوجد قبر "خضر بك جلبي"، بين حي "الوفا" و"زيرك"، في "إستانبول".

الإثنين، 10 جمادى الآخرة، الموافق لـ 18 يونيه: عودة السلطان "محمد الفاتح" من "إستانبول" إلى "أدرنة"

لقد بقي السلطان "محمد الفاتح"، في "إستانبول"، بمناسبة الفتح، عشرين يوماً. وأقام، في هذه المدة، في قصر أباطرة البيزنطيين، المسمى "فلاكرنة/بلاشرنس". ولقد أطلق الأتراك على هذا القصر اسم "تفكور سرايي".

وإذا ما تم جمع الأيام، التي قضاها السلطان "محمد الفاتح"، من بداية الحصار إلى يوم عودته إلى "أدرنة"، فإنه قد قضى أربعة وسبعين يوماً، في خارج "إستانبول" وداخلها.

ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح"، الذي عاد إلى "أدرنة"، قد دخل إليها مع موكب رسمي حافل بالانتصار، وأنه جلب معه العديد من الآثار المختارة.

الثلاثاء، 3 رجب، الموافق لـ 10 يوليه: إعدام الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"

بناءً على إقالة "خليل باشا" من منصبه في الوزارة العظمى، بعد فتح "إستانبول" بثلاثة أيام، أي في يوم الجمعة، 23 جمادى الأولى، الموافق للأول من يونيه، فقد سجن في حبس "يدي قلعة"، الواقع في سور "إستانبول". وبعد أن أقام في هذا السجن أربعين يوماً، نقل منه إلى "أدرنة"، وأعدم فيها. وهذا يعني، أن "خليل باشا"، هو أول رجل، من أركان الدولة، زج به في سجن "يدي قلعة". وعلى الرغم من ذلك، وبما أن "يدي قلعة" [أي سبعة أبراج]، في تلك الفترة، كانت تتكون من ثلاثة أبراج، فقد أضيف إليها، فيما بعد، أربعة أبراج أخرى، في العهد العثماني. يبدو أن هذه الرواية غير صحيحة. وهناك رواية أخرى، تفيد أن "خليل باشا جاندارلي" أعدم في يوم الخميس، 13 جمادى الأولى، الموافق لـ 21 يونيه. وإذا كانت هذه الرواية الثانية صحيحة، فينبغي أن يكون قد بقي في السجن، الذي أخذ اسم "يدي قلعة"، عشرين يوماً، وليس أربعين يوماً.

ويوجد اختلاف في تاريخ سنة هذا الحدث أيضاً. فعلى سبيل المثال، وبموجب إحدى الروايات، فقد أعدم "خليل باشا" في عام 858هـ/1454م. وفي الكتابة الموجودة على قبره، الموجود في "إستانبول"، توجد عبارة مبهمة، تشير إلى أنه توفي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول 834هـ؛ وهذه العبارة، تجعل المسألة مبهمة للغاية. وبناءً على التوضيح، الوارد في الصفحة 139، من كتاب "ممدوح طرغوت قيون أغلو"، المسمى "تاريخ إزنيق وبورصا"، فإن تاريخ هذه الكتابة، هو عام 834هـ، بالتاريخ الشمسي، وليس القمري. وإذا ما حول هذا التاريخ إلى التاريخ الهجري، فإنه يقابل عام 859-860هـ، الذي يوافق 1455-1456م. وإذا كان هذا التوضيح صحيحاً، فإن "خليل باشا"، الذي دخل السجن، في عام 857هـ/1453م، قد بقي فيه سنتين أو ثلاث سنوات، ثم أعدم. والكتابة الموجودة في "إزنيق"، تشير إلى ليلة الأربعاء 12 من ربيع الأول 860هـ. وهذا التاريخ يوافق ليلة الخميس/ الجمعة، 18/19 فبراير 1456م. وهذا إن لم يكن مصادفة، فيبدو أنه دليل يؤيد ما ذُكر أعلاه. والحقيقة، أن تاريخ "أوروج بك"، يشير إلى إعدام "خليل باشا"، بعبارة "بعد فتح أنز"، أي في عام 860هـ/1456م. وعلى الرغم من كل ذلك، فهذه النقاط" تحتاج إلى بحث مستقل.

وهناك اختلاف في المكان، الذي أعدم فيه "خليل باشا"؛ فتفيد إحدى الروايات، أنه أعدم في "إستانبول". وتشير أخرى إلى إعدامه في "أدرنة". ويعد "خليل باشا" أول وزير أعظم، يعدم، في التاريخ العثماني.

ولقد تمت مصادرة كل أملاك "خليل باشا". وأصبحت مصادرة الأموال، بعد هذا التاريخ، عادة متبعة.

ويذكر أن لـ"خليل باشا" من الأموال، مائة وعشرين ألف دوقة ذهباً. وهذا المبلغ، في الحقيقة، ليس بالكثرة لأحد رجال الدولة، في ذلك العهد، المتسم بالاستيلاء والغنائم؛ و"خليل باشا جاندارلي"، كان من أسرة عريقة.

وبناءً على تقرير عادة مصادرة الأموال، في هذا العهد، فقد بدأ الوزراء العثمانيون بتأسيس أوقاف باسم "أولادية"، حتى يوفروا لأموالهم الضمان اللازم دون المصادرة.

ومع إعدام "خليل باشا"، انتهى الدور المرموق، الذي كان لأسرة "آل جاندارلي". وعلى الرغم من ذلك، فإن "إبراهيم بن خليل باشا"، أصبح وزيراً أعظم، في عهد "بايزيد الثاني"، فترة من الوقت.

ولقد بقيت أسرة "آل جاندارلي" في الوزارة العظمى، منذ عهد "مراد الأول"، في عام 770هـ/1368م، بتعيين "خير الدين جاندارلي قره خليل باشا" في الوزارة العظمى، وإلى وقت عزل حفيده، وسميّه، "خليل باشا" وإعدامه، في عام 857هـ/1453م؛ حيث عمل في هذا المنصب، كل من "خليل الأول"، وابنه "علي"، وابنه الثاني "إبراهيم"، و"خليل بن إبراهيم الثاني". وهذا يعني أن أربعة رجال من "آل جاندارلي" بقوا في الوزارة العظمى، لمدة قرن كامل. ولهذا السبب، كانت الوزارة، في أول عهدها، في الدولة العثمانية، وراثية. وكان إبعاد السلطان "محمد الفاتح" هذه الأسرة من منصب الوزارة العظمى، بإعدام "خليل باشا"، قد أدى استخدام المؤرخين العثمانيين لساناً ضد "أسرة جاندارلي"؛ وتوجيه التهم بالخيانة والتجسس لـ"علي باشا" و"خليل باشا الثاني"، على الرغم من تعيين "إبراهيم باشا" ابن "خليل"، في فترة من الوقت، في عهد "بايزيد الثاني". وعلى سبيل المثال، هناك قصة أسماك الذهب، التي تشير إلى أن الأباطرة البيزنطيين، كانوا يرسلون، بين فترة وأخرى، إلى أسرة "آل جاندارلي" من الباشوات، ذهباً في داخل الأسماك؛ وذلك حتى ينقذوا "إستانبول" من الأتراك؛ وأنهم نجحوا في ذلك، بشراء الوزراء الأتراك بالفلوس. وبعض المصادر العثمانية، تشير إلى صداقة أسرة "جاندارلي" للبيزنطيين، بأنها تمتد من الجد إلى الأب، وهكذا. كما أن مصادر عثمانية أخرى، تتهم هذه الأسرة أيضاً بمشاركة الكفار. فإذا كان كل هذه الروايات صحيحاً، فهذا يعني أن الدولة العثمانية، كانت تدار من لدن بعض الخونة المبيعين للأجانب، في عهد التشكيل الأول لها؛ وأن السلاطين العثمانيين الأوائل، المجاهدين الأعاظم، لم يبعدوا هؤلاء الخونة "شركاء الكفار" من الحكم. والحقيقة، أن كل هذه التهم، ليس لها أي صلة بالحقيقة والواقع. فليس هناك من حاجة إلى إرسال الأباطرة ذهباً، في داخل الأسماك، إلى "آل جاندارلي". و"آل جاندرالي"، لم يحصلوا من أباطرة بيزنطة على الرشى؛ وإنما حصلوا منهم على هدايا. إلا أن تلك الهدايا، أرسلت إلى السلاطين، وإلى كل الوزراء، علناً، بمختلف المناسبات والوسائل. والاحتمال القوي، هو أن تكون تلك التهم، قد ألصقت بأسرة "آل جاندارلي"، بعد سقوطها في الدولة العثمانية، وحولت من حقيقتها إلى شكل رشى سرية. وبموجب بعض المصادر البيزنطية، فإن تسمية أسرة "خليل باشا جاندرالي"، بمشاركة الكفار، في عهد السلطان "محمد الفاتح"، يبدو أنها كناية عن علاقته بالسوق البيزنطية، من القديم. ومن المؤكد أن تكون لهذه الأسرة، التي أصبحت ثرية للغاية، بسبب الغنائم، التي تحصل عليها، ولكونها على رأس الحكم، ومن خلال الهدايا، التي كان الحكام النصارى يقدمونها إلى رجالها ـ علاقة بالسوق البيزنطية؛ وهذا أمر طبيعي. وبناءً على الأبحاث الأخيرة، لبعض المؤلفين الغربيين، فإن السوق البيزنطية، كانت مسرحاً مفتوحاً لتجارة "آل جاندارلي"، التي استثمرت أموالها فيها. فتوجيه الاتهام إلى هذه الأسرة بالميل إلى طرف البيزنطيين، هو لذلك السبب. وكانت المراجعات السياسية، للسلافيين والروم واللاتين، للوزراء من هذه الأسرة، قد أدت تحوُّل هذه الأسرة إلى دبلوماسيين مهمين في الدولة، لهم علاقات وثيقة بالعالم الخارجي. وكانوا معتدلين في كل تلك المباحثات السياسية، في مواجهة الضغوط العسكرية. واستناد الاستيلاء العثماني الأول إلى البصيرة السياسية، وليس فقط إلى القوة العسكرية، نتيجة تولدت من الخبرة السياسية الكبيرة لهذه الأسرة. كما أن نشأة هذه الأسرة على العلم والمعرفة، تعد عاملاً أساساً، أيضاً، في مخاصمتها، إلى جانب الثروة الكبيرة، التي كانت تمتلكها، والعلاقات السياسية المتميزة بالخارج. ويبدو أن فئة "الغزاة"، التي كانت تدير شؤون الغزو، لم تكن ترتاح إلى استلام فئة العلماء للحكم، ولا سيما "الدونمة" و"الدفشرمة" الذين قويت شوكتهم في عهد السلطان "محمد الفاتح"، على وجه الخصوص، حيث لم يكونوا يحتملون وجود أسرة تركية على رأس الدولة؛ وهذا أمر مؤكد. ويذكر المؤرخ البيزنطي الأخير، "كريتوفولوس"، في أثناء حديثه عن سجن "خليل باشا" وإعدامه، أن السلطان "محمداً الفاتح" كان، من أيام حكمه الأول، يبغض "خليل باشا" ويضمر الشر له. وبعد أن ذكر الروايات العامة، التي توردها المصادر العثمانية، عن اتصال "خليل باشا" بالبيزنطيين، في أثناء حصار "إستانبول"، قال: "وعلى الرغم من تلك الأسباب الظاهرة لمقتل "خليل باشا"، يبدو أن هناك أسباباً خفية، أيضاً".

وبذلك أراد الإيحاء، بطرف خفي، إلى الدور، الذي كان يقوم به "الدفشرمة"، من مؤامرات خفية، في ذلك العهد. ولقد كان القرار، الذي أصدره السلطان "محمد الفاتح"، بالقضاء على "خليل باشا"، من خلال ملاحظات سياسية، وعلى رأسها معارضته لفتح "إستانبول" ـ كان نهاية لرجل الدولة هذا.

استسلام قلعة "سلفري"

وكما اتضح في الفقرة الخامسة، من أحداث هذه السنة، كانت قلعة "سلفري"، في أثناء عملية حصار "إستانبول"، ثم فتحها وتنظيف المنطقة من البيزنطيين ـ قد امتنعت عن الاستسلام، بسبب منعة استحكاماتها. وكانت "سلفري"، التي عدت مدينة مهمة، في عهد البيزنطيين، بسبب اتخاذها مركزاً لأميرات من الأسرة الحاكمة ـ كانت تحوي، أيضاً، قصراً خرباً لـ"آل كانتاكوزينوس".

ويذكر أن العديد من رجال الدولة البيزنطية، كانوا قد هربوا، قبل الحصار، من بيزنطة إلى "سلفري".

ولما ذهبت آمال المدافعين عن "سلفري" سدى، بعد فتح "إستانبول"، فقد استسلموا، بشرط عدم المساس بحياتهم.

خضوع جزر "إمروز" و"ليمني" و"تاشوز": قبول أمراء "مدللي" و"أنز" الجنويين، للتبعية العثمانية

كانت الجزر الموجودة في بحر إيجه، مقسومة بين مختلف الإدارات، في تلك الفترة. وكان معظم تلك الجزر، من الشمال وحتى الجنوب، في حوزة جمهوريتي "جنوى" و"البندقية"، وفرسان "رودس". وفي أثناء فتح "إستانبول"، كانت جزر "إمروز" و"ليمني" و"تاشوز"، بيد البيزنطيين. وكان سقوط بيزنطة، ومقتل الإمبراطور البيزنطي الأخير، "كوستانتين الحادي عشر"، من جهة؛ ووصول الأسطول العثماني، الذي كان موجوداً في ميناء "إستانبول"، إلى "كلي بولي"، من جهة ثانية ـ قد أقلقا الأهالي على وضعهم في تلك الجزر البيزنطية، وبدأوا بالهجرة، بالسفن الإيطالية، تجاه جزر "أغريبوز" و"ساقز" و"كريد". وبما أن "كريتوفولوس" الإمروزي، من المؤرخين البيزنطيين، في العهد الأخير، قد كان في وطنه [جزيرة إمروز]، فقد سكن من روع الشعب، وعمل على توقيف الهجرة، وأرسل رجلاً إلى قائد الأسطول العثماني، "حمزة بك"، وأمّن بذلك من هجوم مفاجىء على الجزيرة. وقد طلب منه التوسط لدى السلطان "محمد الفاتح"، لقبول الوفد، الذي يرسله إلى السلطان "محمد الفاتح" لتقديم تبعيتهم.

ولما وصل الوفد، الذي بعثه "كريتوفولوس" إلى "أدرنة"، في موسم الصيف، وصل كذلك المرخصون من "أنز" و"مدللي" الجنويتين، لتقديم الطاعة للدولة العثمانية. فقبلت تبعية كل هؤلاء، فمنحت بذلك إدارة جزيرة "إمروز" لأمير "أنز"، "بالاميدي". كما منحت إدارة جزيرتي "ليمني" و"تاشوز" لأمير "مدللي"، الجنوي "رودريكو". وهذا يعني أن هذه الجزر البيزنطية الثلاث، والإمارتين الجنويتين، قد دخلت تحت النفوذ العثماني.

وكتاب المؤرخ البيزنطي، "كرتوفولوس"، يتناول أحداث الفترة الثانية من عهد السلطان "محمد الفاتح"، من عام 1451، حتى عام 1467م، أي أحداث ست عشرة سنة. وهذا المؤلَّف القيم، الذي قدمه المؤرخ إلى السلطان "محمد الفاتح"، قد نشرت النسخة المحفوظة منه في "طوب قابي"، في باريس، في عام 1870م. ونشر ترجمتَه العثمانية، التي قام بها مبعوث "إزمير"، "كاروليدي"، مجمعُ التاريخ العثماني، في عام 1328 [رومي، 1331هـ].

فرض الخراج على مختلف الدول النصرانية

نظراً إلى تبشير الدول الإسلامية بفتح "إستانبول"، فقد وصلت وفود للتهنئة. كما قدمت وفود مختلفة من الدول النصرانية، أيضاً، لتقديم التهاني بهذه المناسبة. وقد فرض على الإمبراطورية الرومية، في "طرابزون"، ألفا دوقة ذهباً؛ وعلى المملكة الصربية 12 ألفاً؛ وعلى جمهورية "راجوزا/دبروفنيك" 3 آلاف؛ وعلى إمارة "المورة"، التي كانت تحت إدارة أخوي الإمبراطور البيزنطي الأخير، "كوستانتينوس": "ديميتريوس" و"توماس"، 3 آلاف دوقة ذهباً. وبذلك تم توفير واردات مهمة للخزينة العثمانية. وكان مجموع هذا الخراج ستة وثلاثين ألف دوقة ذهباً. وكان هذا المبلغ، يعد وارداً مالياً كبيراً، بالنسبة إلى سوق الذهب، في تلك الفترة. وهذا يعني أن الدولة العثمانية، اتبعت سياسة السلم مع الدول المجاورة. والحقيقة، أن السلطان "محمداً الفاتح"، وكما كان أمره قبل فتح "إستانبول"، قد اتبع سياسة السلم، في فترة من الوقت بعده، كذلك.


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad